الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } * { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً }

شرح الكلمات:

يزعمون: يقولون كاذبين.

بما أنزل إليك: القرآن، وما أنزل من قبلك: التوراة.

الطاغوت: كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة والمراد به هنا كعب بن الأشرف اليهودي أو كاهن من كهان العرب.

المنافقين: جمع منافق: وهو من يبطن الكفر ويظهر الإِيمان خوفا من المسلمين.

يصدون: يعرضون عنك ويصرفون غيرهم كذلك.

مصيبة: عقوبة بسبب كفرهم ونفاقهم.

إن يريدون: أي ما يريدون.

إلا إحسانا: أي صلحاً بين المتخاصمين.

وتوفيقا: جمعا وتأليفا بين المختلفين.

فأعرض عنهم: أي اصفح عنهم فلا تؤاخذهم.

وعظهم: مرهم بما ينبغي لهم ويجب عليهم.

قولا بليغا: كلاما قويا يبلغ شغاف قلوبهم لبلاغته وفصاحته.

معنى الآيات:

روي أن منافقاً ويهوديا اختلفا في شيء فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلمه أنه يحكم بالعدل ولا يأخذ رشوة، وقال المنافق نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فنزلت فيهما هذه الآية: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } والمراد بهذا المنافق، { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } والمراد به اليهودي والاستفهام للتعجب ألم ينته إلى علمك موقف هذين الرجلين { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ } " كعب بن الأشرف " ، أو الكاهن الجهني، وقد أمرهم الله أن يكفروا به { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } حيث زين له التحاكم عند الكاهن أو كعب اليهودي.

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } ليحكم بينكم رأيت ياللعجب المنافقين يعرضون عنك إعراضا هاربين من حكمك غير راضين بالتحاكم إليك لكفرهم بك وتكذيبهم لك { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ } وحلت بهم قارعة بسبب ذنوبهم أيبقون معرضين عنك؟ أم ماذا؟ { ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } قائلين، ما أردنا إلا الإِحسان في عملنا ذلك والتوفيق بين المتخاصمين. هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث، وأما الرابعة وهي قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } فإن الله تعالى يشير إليهم بأولئك لبعدهم في الخسة والانحطاط فيقول { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } أي من النفاق والزيغ فهم عرضة للنقمة وسوء العذاب، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } فلا تؤاخذهم، { وَعِظْهُمْ } آمراً إياهم بتقوى الله والإِسلام له ظاهراً وباطناً مخوفا إياهم من عاقبة سوء أفعالهم بترك التحاكم إليك وتحاكمهم إلى الطاغوت، وقل لهم في خاصة أنفسهم قولا بليغاً ينفذ إلى قلوبهم فيحركها ويذهب عنها غفلتها علهم يرجعون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- حرمة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا وُجد عالم بهما.

2- وجوب الكفر بالطاغوت أيا كان نوعه.

3- وجوب الدعوة إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة ووجوب قبولها.

4- استحباب الإِعراض عن ذوي الجهالات، ووعظهم بالقول البليغ الذي يصل إلى قلوبهم فيهزها.