الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

شرح الكلمات:

توفاهم: تقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم.

ظالمي أنفسهم: بتركهم الهجرة وقد وجبت عليهم.

فيم كنتم: في أي شيء كنتم من دينكم؟

مصيراً: مأوى ومسكناً.

حيلة: قدرة على التحول.

مراغماً: مكاناً وداراً لهجرته يرغم ويذل به من كان يؤذيه في داره.

وسعة: في رزقه.

وقع أجره على الله: وجب أجره في هجرته على الله تعالى.

معنى الآيات:

لما كانت الهجرة من آثار الجهاد ناسب ذكر القاعدين عنها لضرورة ولغير ضرورة فذكر تعالى في هذه الآيات الهجرة وأحكامها فقال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } حيث تركوا الهجرة ومكثوا في دار الهوان يضطهدهم العدو ويمنعهم من دينهم ويحول بينهم وبين عبادة ربهم. هؤلاء الظالمون لأنفسهم تقول لهم الملائكة عند قبض أرواحهم { فِيمَ كُنتُمْ }؟ تسألهم هذا السؤال لأن أرواحهم مدساة مظلمة لأنها لم تزك على الصالحات، فيقولون معتذرين: { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ } فلم نتمكن من تطهير أرواحنا بالإِيمان وصالح الأعمال، فترد عليهم الملائكة قولهم: { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } وتعبدوا ربكم؟ ثم يعلن الله تعالى عن الحكم فيهم بقوله: فأولئك البعداء { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } وساءت جهنم مصيراً يصيرون إليه ومأوى ينزلون فيه. ثم استثنى تعالى أصحاب الأعذار كما استثناهم في القعود عن الجهاد في الآيات قبل هذه فقال عز من قائل: { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } ، واستضعاف الرجال يكون بالعلل والنساء والولدان بالضعف الملازم لهم، هؤلاء الذين لا يستطيعون حيلة أي لا قدرة لهم على التحول والإِنتقال لضعفهم، { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } إلى دار الهجرة لعدم خبرتهم بالدروب والمسالك فطمعهم تعالى ورجاهم بقوله: { فَأُوْلَـٰئِكَ } المذكورون { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } فلا يؤاخذهم ويغفر لهم بعض ما قصروا فيه ويرحمهم لضعفهم وكان الله غفوراً رحيماً.

هذ ما دلت عليه الآيات الثلاث.

أما الآية الرابعة [100] فقد أخبر تعالى فيها أن من يهاجر في سبيله تعالى لا في سبيل دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها يجد بإذن الله تعالى في الأرض مذهباً يذهب إليه وداراً ينزل بها ورزقاً واسعاً يراغم به عدوه الذي اضطهده حتى هاجر من بلاده، فقال تعالى: { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } ثم أخبر تعالى أن من خرج مهاجراً في سبيل الله أي لأجل عبادته ونصرة دينه ثم مات في طريق هجرته وإن لم يصل إلى دار الهجرة فقد وجب أجره على الله تعالى وسيوفاه كاملاً غير منقوص، ويغفر الله تعالى له ما كان من تقصير سابق ويرحمه فيدخله جنته. إذ قال تعالى: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب الهجرة عندما يحال بين المؤمنين وعبادة ربه تعالى إذ لم يخلق إلا لها.

2- ترك الهجرة كبيرة من كبائر الذنوب يستوجب صاحبها دخول النار.

3- أصحاب الأعذار كما سقط عنهم واجب الجهاد يسقط عنهم واجب الهجرة.

4- فضل الهجرة في سبيل الله تعالى.

5- من مات في طريق هجرته أعطى أجر المهاجر كاملاً غير منقوص وهو الجنة.