الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } * { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

شرح الكلمات:

خلق السماوات والأرض بالحق: أي من أجل أن يذكر ويشكر لا من أجل اللهو العبث.

يكور الليل على النهار: أي يدخل أحدهما في الآخر فإِذا جاء الليل ذهب النهار والعكس كذلك.

وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما فلا يزالان يدوران في فلكيهما إلى نهاية الحياة وبدورتهما تتم مصالح سكان الأرض.

خلقكم من نفس واحدة: هي آدم عليه السلام.

ثم جعل منها زوجها: هي حواء خلقها الله تعالى من ضلع آدم الأيسر.

وأنزل لكم من الأنعام: أي أنزل المطر فأنبت العشب فخلق الأنعام فهذا وجه لإِنزالها.

ثمانية أزواج: أي من الإِبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين.

يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق: أي أطواراً طوراً بعد طور نطفة فعلقة فمضغة.

في ظلمات ثلاث: أي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة.

ولا تزر وازرة وزر أُخرى: أي لا تحمل نفس ذات وزر وزر نفس أخرى.

إنه عليم بذات الصدور: أي ما يخفيه المرء في صدره وما يسره في ضميره.

معنى الآيات:

هذه الآيات الكريمة في تقرير التوحيد بذكر الأدلة والبراهين التي لا تدع للشك مجالاً في نفوس العقلاء فقال تعالى في الآية [5] { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي أوجدهما خلقا على غير مثال سابق وخلقهما بالحق لغايات سامية شريفة وليس للباطل والعبث ومن تلك الغايات أن يعبد فيها فيذكر ويشكر. وقوله { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } أي يغشى هذا هذا فيغطيه به ويستره كأنما لفَّه عليه وغشاه به وهذا برهان ثان فالأول برهان الخلق للسماوات والأرض وبرهان ثالث في قوله { وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } يدوران في فلكيهما إلى قيام الساعة وفي ذلك من الفوائد والمصالح للعباد مالا يقادر قدره من ذلك معرفة عدد السنين والحساب. وقوله { أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ } إعلان وتنبيه بأنه تعالى عزيز في بطشه وانتقامه من أعدائه غفّار لعباده التائبين إليه. وقوله تعالى في الآية [6] { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هي آدم عليه السلام فقد صح أنه لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ذرّيته وأشهدهم على أنفسهم، ولهذا جاء العطف بثم إذ قال { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي بعد أن مسح على ظهر آدم وأخرج ذرّيته من ظهره وأشهدهم على أنفسهم خلق حواء من ضلعه الأيسر، وهذا برهان وآخر في قوله { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } وهي الإِبل والبقر والغنم ضأن وماعز وهي ذكر وأنثى فالذكر زوج والأنثى زوج فهي ثمانية أزواج وجائز أن يكون أصل هذه الأنعام قد أنزله من السماء كما أنزل آدم وحواء من السماء، وجائز أن يكون أنزل الماء فنبت العشب وتكونت هذه الأنعام من ذلك فالأصل الإِنزال من السماء وتدرج الخلق كان في الأرض.

السابقالتالي
2