الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

شرح الكلمات:

فسلكه ينابيع في الأرض: أي أدخله في الأرض فصار جاريا تحتها ينبع منها فكان بذلك ينابيع.

مختلفا ألوانه: أي ما بين أخضر وأبيض وأحمر وأصفر وأنواعه من بر وشعير وذرة.

ثم يهيج فتراه مصفرا: أي ييبس فتراه أيها الرائي بعد الخضرة مصفرا.

ثم يجعله حطاما: أي فتاتا متكسرا.

إن في ذلك لذكرى: أي إن في ذلك المذكور من إنزال الماء إلى أن يكون حطاما تذكيرا.

أفمن شرح الله صدره للإِسلام: أي فاهتدى به كمن لم يشرح الله صدره فلم يهتد؟.

فهو على نور من ربّه: أي فهو يعيش في حياته على نور من ربّه وهو معرفة الله وشرائعه.

فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله: ويل كلمة عذاب للقاسية قلوبهم عن قبول القرآن فلم تؤمن به ولم تعمل بما فيه.

أحسن الحديث كتاباً: هو القرآن الكريم.

متشابهاً: أي يشبه بعضه بعضا في النظم والحسن وصحة المعاني.

مثاني: أي ثنّى فيه الوعد والوعيد كالقصص والأحكام.

تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم: أي ترتعد منه جلود الذين يخشون ربهم وذلك عند ذكر وعيده.

ثم تلين جلودهم وقلوبهم: أي تطمئن وتلين.

إلى ذكر الله: أي عند ذكر وعده لأهل الإِيمان والتقوى بالجنة وما فيها من نعيم مقيم.

معنى الآيات:

قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ } هذه الآية الكريمة تقرر التوحيد والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم الإِلهيين، وهما مقتضيان لوجود الله أولاً ثم وجوب الإِيمان به وبلقائه فقال تعالى مخاطبا رسوله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } وهو المطر { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } أي أدخله فيها وأخرجه منها ينابيع بواسطة حفر وبدونه، ثم يخرج به زرعاً من قمح وشعير وذرة وغيرها مختلفا ألوانه من أحمر وأبيض وأصفر { ثُمَّ يَهِـيجُ } حسب سنة الله تعالى في ذلك فيجف { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً } أي فتاتا متكسراً كالتبن كل هذا يتم بقدرة الله وعلمه وتدبيره ففيه موعظة وذكرى لأولي القلوب الحيّة تهديهم إلى الإِيمان بالله وبآياته ولقائه، وما يستتبع ذلك من الطاعة والتوحيد وقوله تعالى { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } أي وسع صدره وفسحه فقبل الإِسلام دينا فاعتقد عقائده وعمل بشرائعه فامتثل أوامره واجتنب نواهيه فهو يعيش على نور من ربه ومقابل هذا محذوف اكتفى بالأول عنه وتقديره كمن طبع الله على قلبه وجعل صدره حرجا ضيقا فلم يقبل الإِسلام ولم يدخل فيه، وعاش على الكفر والشرك والمعاصي فهو يعيش على ظلمة الكفر ودخن الذنوب وعفن الفساد والشر. وقوله تعالى { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ } يتوعد الله تعالى بالعذاب أصحاب القلوب القاسية من سماع القرآن وهذه أسوأ حال العبد إذا كان يهلك بالدواء ويضل بالهدى فسماع القرآن الأصل فيه أن يلين القلوب الصالحة للحياة فإِذا كانت القلوب ميتة غير قابلة للحياة سماع القرآن زادها موتاً وقسوة، ويدل على هذا قوله { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } فهدايتهم متعذرة إذا كان الدواء يزيد في علتهم وآيات الهداية تزيد في ضلالتهم.

السابقالتالي
2