الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

شرح الكلمات:

أنتم الفقراء إلى الله: أي المحتاجون إليه في كل حال.

والله هو الغني الحميد: أي الغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه، المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره فكل الخلائق تحمده لحاجتها إليه وغناه عنها.

ويأت بخلق جديد: أي بدلا عنكم.

وما ذلك على الله بعزيز: أي بشديد ممتنع بل هو سهل جائز الوقوع.

ولا تزر وازرة وزر أخرى: أي في حكم الله وقضائه بين عباده أنّ النفس المذنبة الحاملة لذنبها لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل وازرة تحمل وزرها وحدها.

وإن تدع مثقلة: أي بأوزارها حتى لم تقدر على المشي أو الحركة.

لا يحمل منه شيء: أي لا تجد من يستجيب لها ويحمل عنها بعض ذنبها حتى لو دعت ابنها أو أباها أو أمها فضلا عن غيرهم، وبهذا حكم الله سبحانه وتعالى.

يخشون ربهم بالغيب: أي لأنهم ما رأواه بأعينهم.

ومن تزكى: أي طهَّر نفسه من الشرك والمعاصي.

فإنما يتزكَّى لنفسه: أي صلاحه واستقامته على دين ثمرتها عائدة عليه.

معنى الآيات:

بعد تلك الأدلة والحجج التي سيقت في الآيات السابقة وكلها مقررة ربوبية الله تعالى وألوهيته وموجبة توحيده وعبادته نادى تعالى الناس بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } ليعلمهم بأنه وإن خلقهم لعبادته وأمرهم بها وتوعد بأليم العذاب لمن تركها ولم يكن ذلك لفقر منه إليها ولا لحاجة به إليهم فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } إن عبادة الناس لربهم تعود عليهم فيكملون عليها في أخلاقهم وأرواحهم ويسعدون عليها في دنياهم وآخرتهم أما الله جل جلاله فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية. وهو الغني عن كل ما سواه { ٱلْحَمِيدُ } أي المحمود بنعمه فكل نعمة بالعباد موجبة له الحمد والشكر. وقوله { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } وهذا دليل غناه؛ وافتقارهم كما هو دليل قدرته وعلمه، وقوله: { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي إذهابهم والإِتيان بخلق جديد غيرهم ليس بالأمر العزيز الممتنع ولا بالصعب المتعذر بل هو اليسير السهل عليه تعالى.

وقوله تعالى { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } هذا مظهر عدالته تعالى فهو مع قدرته وقهره لعباده ذو عدل فيهم فلا يؤاخذ بغير جرم، ولا يحمل وزر نفس نفساً أخرى لم تذنب ولم تزر بل كل نفس تؤخذ بذنبها إن كانت مذنبة هذه عدالته تتجلى لعباده يوم يعرضون عليه في يوم كله هول وفزع يدل عليه قوله { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي بذنوبها { إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ } من تدعوه { ذَا قُرْبَىٰ } كالولد والبنت. وقوله تعالى: { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي إنما تنذر يا رسولنا ويقبل إنذارك وينتفع به من يخشون ربهم ويخافون عذابه بالغيب وأقاموا الصلاة، أما غيرهم من أهل الكفر والعناد والجحود فإنهم لا يقبلون إنذارك ولا ينتفعون به لظلمة جهلهم وكفرهم وقساوة قلوبهم، ومع هذا فأنذر ولا عليك في ذلك شيء فإن من تزكَّى بالإِيمان والعمل الصالح مع ترك الشرك والمعاصي فإنما يتزكَّى لنفسه لا لك ولا لنا، ومن أبى فعليه إباؤه، وإلينا مصير الكل وسنجزي كلاً بما كسب من خير وشر.

السابقالتالي
2