الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

شرح الكلمات:

اصطفى آدم: اختار، وآدم هو أبو البشر عليه السلام.

آل إبراهيم: آل الرجل أهله وأتباعه على دينه الحق.

عمران: رجل صالح من صلحاء بني إسرائيل في عهدهم الأخير هو زوج حنّة وأبو مريم عليهم السلام.

العالمين: هم الناس المعاصرون لهم.

إمرأة عمران: حَنّة.

نذرت لك ما في بطني: ألزمت نفسها أن تجعله لله يعبده ويخدم بيته الذي هو بيت المقدس.

محرّراً: خالصاً لا شركة فيه لأحد غير الله بحيث لا تنتفع به أبداً.

مريم: خادمة الرب تعالى.

أعيذها بك: أحصّنها وأحفظها بجنابك من الشيطان.

وكفلها زكريا: زكريا أبو يحيى عليهما السلام وكانت امرأته أختاً لحنّة.

المحراب: مقصورة ملاصقة للمسجد.

أنّى لك هذا؟: من أين لك هذا، أي من أين جاءك.

معنى الآيات:

لما ادعى نصارى وفد نجران ما ادعوه في المسيح عليه السلام من تأليهه وتأليه أمّّه أنزل الله تعالى هذه الآيات يبينّ فيها مبدأ أمر عيسى وأمه وحقيقة أمرهما فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران اصطفاهم لدينه واختارهم لعبادته ففضلهم بذلك على الناس وأخبر أنهم ذريّة بعضهم من بعض لم تختلف عقائدهم، ولم تتباين فضائلهم وكمالاتهم الروحيّة وذلك لحفظ الله تعالى لهم وعنايته بهم. وأخبر تعالى أنه سميع عليم أي سميع لقول إمرأة عمران عليم بحالها لما قالت: {.. رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً.. } ، وذلك أنها كانت لا تلد فرأت في حديقة منزلها طائراً يطعم أفراخه فحنّت إلى الولد وسألت ربها أن يرزقها ولداً وتجعله له يعبده ويخدم بيته فاستجاب الله تعالى لها فحملت ومات زوجها وهي حبلى وقالت ما قص الله تعالى عنها في قولها: { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } وحان وقت الولاد فولدت ولكن أنثى لا ذكراً فتحسرت لذلك، وقالت: { رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } وكيف لا يعلم وهو الخلاق العليم. وقالت: {.. وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ.. } في باب الخدمة في بيت المقدس فلذا هي آسفة جداً، وأسمت مولودتها مريم أي خادمة الله، وسألت ربها أن يحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم واستجاب الله تعالى لها فحفظها وحفظ ولدها عيسى عليه السلام فلم يقربه شيطان قط. وتقبل الله تعالى ما نذرته له وهو مريم فأنبتها نباتاً حسناً فكانت تنموا نماء عجيباً على خلاف المواليد، وكفلها زكريا فتربت في بيت خالتها وذلك أن حنة لما وضعتها أرضعتها ولفّتها في قِمَاطها وبعثت بها إلى صلحاء بني إسرائيل يسندونها إلى من يرون تربيتها في بيته، لأن أمها نذرتها لله تعالى فلا يصح منها أن تبقيها في بيتها ووالدها مات أيضا، فأحب كل واحد أن يكفلها فكفلها زكريا وأصبحت في بيت خالتها بتدبير الله تعالى لها، ولما كبرت أدخلها المحراب لتتعبد فيه، وكان يأتيها بطعامها، فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب لذلك ويسألها قائلا: { يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا }؟ فتجيبه قائلة { هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وتعلل لذلك فتقول: { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.

السابقالتالي
2