الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤمۤ } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } * { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

شرح الكلمات:

الۤمۤ: تقدم الكلام على مثله من سورة البقرة فليرجع إليه هناك.

الله: المعبود بحق.

لا إله إلا هو: لا معبود بحق سواه.

الحيّ: ذو الحياة المستلزمة للإرادة والعلم والسمع والبصر والقدرة.

القيّوم: القيِّم على كل مخلوقاته بالتربية والرعاية والحفظ.

الكتاب: القرآن.

بالحق: متلبِّساً به إذا كل ما فيه حق وصدق لا باطل فيه بأي وجه من الوجوه.

مصدقاً لما بين يديه: من الكتب السابقة لا يخالفها ولا يبطلها لأن مصدر الجميع واحد هو الله تعالى.

التوراة: كتاب موسى عليه السلام ومعناه بالعبرية الشريعة.

الإنجيل: كتاب عيسى عليه السلام ومعناه باليونانية: التعليم الجديد.

الفرقان: ما فرق الله بين الحق والباطل من الحجج القرآنية والمعجزات الإِلهية والعقول النيّرة البشرية التي لم يغلب عليها التقليد والجمود والهوى.

يصوركم في الأرحام: التصوير إيجاد الصورة للشيء لم تكن له من قبل، والأرحام جمع رحم: مستودع الجنين.

معنى الآيات:

أخرج ابن جرير الطبري بأسانيد صحيحة أن وفد نجران والمكون من ستين راكبا فيهم أشرافهم وأهل الحلِّ والعَقْد منهم، وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاجّونه في أمر المسيح عليه السلام ويريدون أن يثبتوا الهيّته بالادعاء الباطل فأنزل الله تعالى نيِّفاً وثمانين آية من فاتحة السورة الۤمۤ إلى ما يقارب الثمانين. وذلك رداً لباطلهم، وإقامة للحجة عليهم، وسيلاحظ هذا المتدبر للآيات ويراه واضحاً جليّاً في السياق القرآني في هذه الآيات.

فقد قال تعالى الۤمۤ، الله لا إله إلا هو فأخبر أنه تعالى لا معبود بحق إلا هو، فأبطل عبادة المسيح عليه السلام وعبادة كل معبود سوى الله تعالى من سائر المعبودات، وقال الحيّ القيوم فذكر برهان استحقاقه للعبادة دون غيره وهو كونه تعالى حيّاً أزلاً وأبداً وكل حيّ غيره مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء، فلذا لا يستحق الألوهية إلا هو عز وجل والمسيح عليه السلام مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء فكيف يكون إلهاً؟ وقال تعالى القيوم أي القائم على كل الخلق بالتربية والرعاية والحفظ والتدبير والرزق، وما عداه فليس له ذلك بل هو مربوب مرزوق فكيف يكون إلهاً مع الله؟ ودليل ذلك أنه نزل عليك الكتاب: القرآن بالحق مصحوباً به ليس فيه من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة للألوهية لله نافية لها عما سواه، فكيف يكون المسيح إلهاً مع الله أو يكون هو الله، أو ابن الله كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التي سبقته لا يخالفها ولا يتناقض معها فدل ذلك أنه وحي الله، وأنزل من قبله التوراة والإِنجيل هدىً للناس وأنزل الفرقان ففرق به بين الحق والباطل في كل ما يلبس أمره على الناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحيي المميت الحي الذي لا يموت هو الإِله الحق وما عداه مربوب مخلوق لا حق له في الألوهية والعبادة وإن شفى مريضاً أو أنطق أبكم أو أحيا ميتاً بإذن الله تعالى فإن ذلك لا يؤهله لأن يكون إلهاً مع الله كعيسى بن مريم عليه السلام فإن ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء بعض الموتى كان بقدرة الله وإذنه بذلك لعيسى وإلا لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن كل عباد الله تعالى، ولما رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكذ بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى بقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } وهذا وعيد شديد لكل من كذب بآيات الله وجحد بالحق الذي تحمَّله من توحيد الله تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه لعلمه وأخبر عنه، كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى لا ترام وأنه على الانتقام من أهل الكفر به لقدير.

السابقالتالي
2