الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

شرح الكلمات:

عذاب الحريق: هو عذاب النار المحرقة تحرق أجسادهم.

ذلك بما قدمت أيديهم: أي ذلك العذاب بسبب ما قدمته أيديكم من الجرائم.

عهد إلينا: أمرنا ووصانا في كتابنا (التوراة).

أن لا نؤمن لرسول: أي لا نتابعه، على ما جاء به ولا نصدقه في نبوته.

بقربان تأكله النار: القربان: ما يتقرب به إلى الله تعالى من حيوان وغيره يوضع في مكان فتنزل عليه نار بيضاء من السماء فتحرقه.

البينات: الآيات والمعجزات.

وبالذي قلتم: أي من القربان.

فلم قتلتموهم: الاستفهام للتوبيخ، وممن قتلوا من الأنبياء زكريا ويحيى عليهما السلام.

الزبر: جمع زبور وهو الكتاب كصحف إبراهيم.

الكتاب المنير: الواضح البين كالتوراة والزبور والإِنجيل.

معنى الآيات:

لما نزل قول الله تعالى:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 245، الحديد: 11] ودخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت (المدراس) واليهود به وهم يستمعون لأكبر علمائهم وأجل أحبارهم فنحاص فدعاه أبو بكر إلى الإِسلام. فقال فنحاص: إن رباً يستقرض نحن أغنى منه! ينهانا صاحبك عن الربا ويقبله فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب اليهودي فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا أبا بكر فسأل الرسول أبا بكر قائلا: " ما حملك على ما صنعت "؟ فقال إنه قال: إن الله فقير ونحن أغنياء فأنكر اليهودي فأنزل الله تعالى الآية { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } ، أي نكتبه أيضا، ونقول لهم: { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ، وقولنا ذلك بسبب ما قدمته أيديكم من الشر والفساد، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فلم يكن جزاؤكم مجافيا للعدل ولا مباعدا له أبداً لتنزه الرب تعالى عن الظلم لعباده هذا ما تضمنته الآية الأولى [181] { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } والآية الثانية [182] { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } وأما الآية الثالثة [183] وهي قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }؟ فقد تضمنت دعوى يهودية كاذبة باطلة لا صحة لها البتة، والرد عليها فالدعوى هي قولهم إنّ الله قد أمرنا موصياً لنا أن لا نؤمن لرسول فنصدقه ونتابعه على ما جاء به، حتى يأتينا بقربان تأكله النار، يريدون صدقة من حيوان أو غيره توضع أمامهم فتنزل عليها نار من السماء فتحرقها فذلك آية نبوته، وأنت يا محمد ما اتيتنا بذلك فلا نؤمن بك ولا نتابعك على دينك، وأما الرد فهو قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل يا رسولنا: { قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ } وهي المعجزات، { وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ } وهو قربان تأكله النار فلم قتلتموهم، إذ قتلوا زكريا ويحيى وحاولوا قتل عيسى، إن كنتم صادقين في دعواكم؟ وأما الآية الرابعة [184] فإنها تحمل العزاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول له ربه تعالى: { فَإِن كَذَّبُوكَ } فلم يؤمنوا بك، فلا تحزن ولا تأسى لأنك لست وحدك الذي كُذبت، فقد كذبت رسل كثر كرام، جاءوا أقوامهم بالبينات أي المعجزات، وبالزبر، والكتاب المنير كالتوراة والإِنجيل وصحف إبراهيم وكذبتهم أممهم كما كذبك هؤلاء اليهود والمشركون معهم فاصبر ولا تحزن.

السابقالتالي
2