الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

شرح الكلمات:

إن قارون كان من قوم موسى: أي ابن عم موسى عليه السلام.

فبغى عليهم: أي ظلمهم واستطال عليهم.

ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة: أي أعطاه الله من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه.

لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين: أي لا تفرح فرح البطر والأشر.

وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة: أي اطلب في المال الذي أوتيته الدار الآخرة بفعل الخيرات.

على علم عندي: أي لعلم الله تعالى بأني أهل لذلك.

وأكثر جمعاً: أي للمال.

ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون: أي لعلم الله تعالى بهم فيدخلون النار بدون حساب.

معنى الآيات:

هذا بداية قصص قارون الباغي، وهو قارون ابن يصهر بن قاهَثْ بن لاوى بن يعقوب ابن اسحاق بن إبراهيم عليه السلام. فهو ابن عم موسى بن عمران وابن خالته أيضاً وكان يلقب المنور لحسن صورته، ونافق كما نافق السامري المطرود. قال تعالى في ذكر خبره { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } أي إسرائيلي ابن عم موسى بن عمران الرسول. { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } أي على بني إسرائيل أي ظلمهم وطغى عليهم، ولعل فرعون كان قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته وملك أموالاً كثيرة ففرته وألهته. وقوله تعالى: { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ }. وهذا الخبر الإِلهي دليل على ما كان للطاغية قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها وذلك لثقلها. وقوله تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } أي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين { لاَ تَفْرَحْ } أي بأموالك فرح الأشر البطر، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } اي الأشرين البطرين الذين يختالون ويتفاخرون ويتكبرون. { وَٱبْتَغِ } أي اطلب { فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ } من أموال { ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } بأن تصدَّقْ منها وأنفقْ في سبيل الله كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر والإِحسان. { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن في غير إسراف ولا مخيله، { وَأَحْسِن } عبادة الله تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل { كَمَآ أَحْسَنَ } أي الله تعالى إليك { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } بترك الفرائض وارتكاب المحرمات. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } ومن لم يحبه الله أبغضه ومن أبغضه عذبه في الدنيا والآخرة فبعد هذه الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة رَدَّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه في قوله في الآية [78] { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } أي لا تهددوني ولا تخوفوني بسلب مالي عني إن أنا لم أُحْسن فإن هذا المال { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ } أي آتانيه الله على علم منه بأني أهل له ولذا أعطاني وزاد عطائي وأكثره قال تعالى في الرد عليه في زعمه هذا { أَوَلَمْ يَعْلَمْ } أي أيقول ما يقول من الزعم الكاذب ولم { يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } ، كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليلاً على حب الله ورضاه عن أهله، ما أهلك عاداً وثموداً وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مالاً ورجالاً وقوله تعالى: { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي إذا أكثر العبد من الإِجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وآن أوان عذابه لا يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلاء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب فلا يسألون ولا يحاسبون.

السابقالتالي
2