الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }

شرح الكلمات:

إنك لا تهدي من أحببت: أي هدايته كأبي طالب بأن يسلم ويحسن إسلامه.

وقالوا: أي مشركو قريش.

إن نتبع الهدى معك: أي إن نتبعك على ما جئت به وندعو إليه وهو الإِسلام.

نتخطف من أرضنا: أي تتجرأ علينا قبائل العرب ويأخذوننا.

يجبى إليها ثمرات كل شيء: أي يحمل ويساق إليه ثمرات كل شيء من كل ناحية.

رزقاً من لدنا: أي رزقاً لكم من عندنا يا أهل الحرم بمكة.

بطرت معيشتها: أي كفرت نعمة الله عليها فأسرفت في الذنوب وطغت في المعاصي.

يبعث في أمها رسولاً: أي في أعظم مدنها. وهي العاصمة.

إلا وأهلها ظالمون: بالتكذيب للرسول والإِصرار على الشرك والمعاصي.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي...بِٱلْمُهْتَدِينَ } هذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في إِسلامه لما له من سالفة في الوقوف إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم يحميه ويدافع عنه فلما حضرته الوفاة زاره النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الشهادتين فكان يقول له: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة " وكان حوله عواده من كفار قريش، ومشائخها فكانوا ينهونه عن ذلك حتى قالوا له: أترغب عن دين أبائك؟ أترغب عن ملة عبد المطلب أبيك حتى قال هو على ملة عبد المطلب ومات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عن ذلك " فنهاه الله فلم يستغفر له بعد ونزلت هذه الآية كالعزاء له صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } هدايته يا نبينا { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } هدايته لعلمه أنه يطلب الهداية ولا يرغب عنها كما رغب عنها أبو طالب وأبو لهب وغيرهما، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون.

وقوله تعالى: { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالات قريش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتألب علينا العرب ويرموننا عن قوس واحدة ونصبح نتخطف من قبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا، وبذلك نحرم هذا الأمن والرخاء وتسوء أحوالنا، لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعو إليه من الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلي عنها. فقال تعالى في الرد على هذا الاعتذار الساقط البارد { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } أي لم يوطئ لهم أرض بلد حرمناه فلا يسفك فيه دم، ولا يصاد فيه صيد، ولا يؤخذ فيه أحد بجزيرة، أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرماً آمناً قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا، ومن باب أوْلى.

السابقالتالي
2