الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } * { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

شرح الكلمات:

بما أنعمت علي: بإنعامك علي بمغفرة ذنبي.

فلن أكون ظهيراً للمجرمين: أي معيناً لأهل الإِجرام.

خائفاً يترقب: ماذا يحدث من خير أو غيره بعد القتل.

استنصره بالأمس: أي طلب نصرته فنصره.

يستصرخه: أي يستغيث به على قبطي آخر.

إنك لغوي مبين: أي لذو غواية وضلال ظاهر.

أن يبطش بالذي هو عدو لهما: أي أن يأخذ الذي هو عدو لموسى والقبطي معاً.

إن تريد إلا أن تكون جباراً: أي ما تريد إلا أن تكون جباراً تضرب وتقتل ولا تبالي بالعواقب.

من المصلحين: أي الذين يصلحون ببين الناس إذا اختلفوا أو تخاصموا.

وجاء رجل من أقصى المدينة: أي مؤمن آل فرعون أتى من أبعد نواحي المدينة.

إن الملأ يأتمرون بك: أي يتشاورون ويطلب بعضهم أمر بعض ليقتلوك.

فاخرج إني لك من الناصحين: أي اخرج من هذه البلاد إلى أخرى.

فخرج منها خائفاً يترقب: خائف من القتل يترقب ما يحدث له.

معنى الآيات:

لقد تقدم في الآية قبل هذه أن موسى عليه السلام قد قتل قبطياً بطريق الخطأ وأنه اعترف لربه تعالى بخطإه واستغفره، وأن الله تعالى غفر له وأعلمه بذلك بما شاء من وسائط، ولما علم موسى بمغفرة الله تعالى له عاهده بأن لا يكون { ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } مستقبلاً ومن ذلك أن يعتزل فرعون وملائه لأنهم ظالمون مجرمون فقال:

{ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } أي بمغفرتك لي خطإي وذلك بالنظر إلى إنعامك علي بالمغفرة أعاهدك أن لا أكون { ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } هذا ما دلت عليه الآية [17] أي الأولى في هذا السياق وهي قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } وقوله تعالى: { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } أي فأصبح موسى في مدينة (مُنْفُ) عاصمة المملكة الفرعونية { خَآئِفاً } مما قد يترتب على قتله القبطي { يَتَرَقَّبُ } الأحداث ماذا تسفر عنه؟ فإذا الذي يستنصره بالأمس وهو الإِسرائيلي الذي طلب نصرته أمس { يَسْتَصْرِخُهُ } أي يستغيثه بأعلى صوته فنظر إليه موسى وأقبل عليه ليخلصه قائلاً: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } أي لذو غواية بينة والغواية الفساد في الخلق والدين لأنك أمس قاتلت واليوم تقاتل أيضاً. { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ } أي موسى { بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } وهو القبطي قال الإِسرائيلي { أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } أي تضرب وتقتل كما تشاء ولا تخاف عقوبة ذلك { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } الذين يصلحون بين المتخاصمين قال الإِسرائيلي هذا لأنه جبان وخاف من هجمة موسى ظاناً أنه يريده هو لما قدم له من القول { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } فلما سمع القبطي ما قال مقاتله الإِسرائيلي نقلها إلى القصر وكان من عماله فاجتمع رجال القصر برئاسة فرعون يتداولون القضية وينظرون إلى ظروفها ونتائجها وما يترتب عليها وكان من جملة رجال المؤتمر مؤمن آل فرعون (حزقيل) وكان مؤمناً يكتم إيمانه فأتى موسى سراً ليخبره بما يتم حياله وينصح له بالخروج من البلاد وهو ما جاء في قوله تعالى في الآية [20] من هذا السياق { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ } من أبعدها فان قصر الملك كان في طرف المدينة وهي مدينة فرعون (مُنْفُ) { يَسْعَىٰ } فمشي بسرعة وجد وانتهى إلى موسى فقال { يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } قال تعالى: { فَخَرَجَ مِنْهَا } أي من بلاد فرعون { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } خائفاً من القتل يترقب الطلب وماذا سيحدث له من نجاة أو خلافه ودعا ربه عز وجل قائلاً:

{ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي من فرعون وملائه أولاً ومن كل ظالم ثانياً.

السابقالتالي
2