الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

شرح الكلمات:

قال نكروا لها عرشها: أي غيروا هيأته وشكله حتى لا يعرف إلا بصعوبة.

أتهتدي: أي إلى معرفته.

أهكذا عرشك: شبهوا عليها إذ لو قالوا هذا عرشك لقالت نعم.

قالت كأنه هو: فشبَّهت عليه فقالت كأنه هو.

وصدها ما كانت تعبد من دون الله: أي صرفها عن عبادة الله مع علمها وذكائها ما كانت تعبد من دون الله.

ادخلي الصرح: أي بهو الصرح إذ الصرح القصر العالي وفي بهوه بكرة ماء كبيرة مغطاة بسقف زجاجي يرى وكأنه ماء.

فكشفت عن ساقيها: ظانة أنها تدخل ماء تمشي عليه فرفعت ثيابها.

حسبته لجة: أي من ماء غمر يجري.

صرح ممرد من قوارير: أي مملّس من زجاج.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ لقد خرجت هي في موكبها الملكي بعد أن احتاطت لعرشها أيّما احتياط. إلا أن العرش وصل قبلها بدعوة الذي عنده علم من الكتاب، وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو الضعف فأمر رجاله ان يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه حتى لا يعرف إلا بصعوبة كما قال عليه السلام { نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } إلى معرفته { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } لضعف عقولهم. فلما جاءت { قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير، إذ المفروض أن يقال لها هذا عرشك ومن هنا فطنت لتشبيههم { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } إذ لو قالت: هو لقالوا كيف يكون هو والمسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء ودهاء ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } فحمد الله وأثنى عليه ضمن العبارة التي قالها. وقوله { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } اتباعاً لقومها إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله. { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها وهو ما كان عليه قومها، وجلس سليمان في بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها أسماك كثيرة وللماء موج، وسقف البركة مملس من زجاج، ومع سليمان جنوده من الإِنس والجن يحوطون به ويحفونه من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح لأن سليمان الملك يدعوها { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } ماء { وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } فقال لها سليمان { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } أي مملّس { مِّن قَوارِيرَ } زجاجية وهنا وقد بهرها الموقف وعرفت أنها كانت ضالة وظالمة نطقت قائلة { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وبهذا أصبحت مسلمة صالحة. ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً فلنسكت عما سكت عنه القرآن.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- جواز اختبار الأفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية.

2- بيان حصافة عقل بلقيس ولذا أسلمت ظهر ذلك في قولها { كَأَنَّهُ هُوَ }.

3- مضار التقليد وما يترتب عليه من التنكر للعقل والمنطق.

4- حرمة كشف المرأة ساقيها حتى ولو كانت كافرة فكيف بها إذا كانت مسلمة.

5- فضيلة الإِئتساء بالصالحين كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.