الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } * { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } * { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

شرح الكلمات:

أنبئكم: أي أخبركم.

أفاك أثيم: أي كذاب يقلب الكذب فيكون إفكاً أثيم غارق في الآثام.

يلقون السمع: أي يلقون أسماعهم ويصغون أشد الإِصغاء للشياطين فيتلقون منهم مما أكثره كذب وباطل.

الغاوون: جمع غاوٍ: الضال عن الهدى الفاسد القلب والنية.

في كل واد: أي من أودية الكلام وفنونه.

يهيمون: أي يمضون في كل شعب وواد من الكلام مدحاً أو ذما كان صدقاً أو كذباً.

يقولون ما لا يفعلون: أي يقولون فعلنا وهم لم يفعلوا.

وانتصروا من بعد ما ظلموا: أي قالوا الشعر انتصاراً للحق بأن ردوا على من هجا المسلمين.

أي منقلب ينقلبون: أي مرجع يرجعون بعد الموت وهو دار جهنم.

معنى الآيات:

لما ادعى المبطلون من مشركي قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى من الشياطين كما تتلقى الكهان منهم رد تعالى عليهم بقوله { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ }؟ وأجاب عن السؤال قائلاً { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ } كذاب يقلب الكذب قلباً فيقول في الظالم عادل، وفي الخبيث طيب، وفي الفاسد صالح، { أَثِيمٍ } أي كثير الآثام إذ لم يترك جريمة إلا يقارفها ولا سيئة إلا يجترحها حتى يغرق في الإِثم فهذا الذي تتحد معه الشياطين وتلقي إليه بما تسمعه من السماء لكونه مثلها في ظلمة النفس وخبث الروح، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو أبعد الناس عن الكذب والإِثم فلم يجرب عليه كذب قط ولم يعرف منه ذنب أبداً فكيف تتحد معه الشياطين وتخبره وتلقي إليه بخبر السماء؟ وبهذا بطلت التهمة وقوله { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي إن الشياطين قبل أن يحال بينهم وبين استراق السمع بإرصاد الشهب لهم. كانوا يلقون أسماعهم للحصول على الخبر وأكثرهم كاذبون حيث يخلطون مع الكلمة التي سمعوها مائة كلمة كلها كذب منهم ويلقون ذلك الكذب إلى إخوانهم في الكفر والخبث من كهنة الناس.

وقوله تعالى { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } أي أهل الغواية والضلال هم الذين يتبعون الشعراء فيروون لهم وينقلون عنهم، ويصدقونهم فيما يقولون. والدليل على ذلك { أَنَّهُمْ } أي الشعراء { فِي كُلِّ وَادٍ } من أودية الكلام وفنونه { يَهِيمُونَ } على وجوههم ماضين في قولهم فيمدحون ويذمون، يهجون، ويفخرون، ويدعون أنهم فعلوا كذا وكذا وما فعلوا فهل محمد صلى الله عليه وسلم الذي اتهمتموه بأنه شاعر وما يقوله من جنس الشعر أتباعه غاوون انظروا إليهم واسألوا عنهم فإنهم أهدى الناس وأبرهم فعلاً وأصدقهم حديثاً وأبعدهم عن الريبة، فلو كان محمد شاعراً لكان أتباعه الغاوين فبذا بطلت الدعوى من أساسها.

وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } إنه لما ذم الشعراء، استثنى منهم أمثال: عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت ممن آمنوا وعملوا الصالحات وانتصروا يردون هجاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينافحون عن الإِسلام وأهله بشعرهم الصادق النقي الطاهر الوفي.

السابقالتالي
2