الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

شرح الكلمات:

ألم تر إلى ربك كيف مد الظل: أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه.

ولو شاء الله لجعله ساكناً: أي ثابتاً على حاله في الطول والامتداد ولا يقصر ولا يطول.

ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً: أي علامة على وجوده إذ لولا الشمس لما عرف الظل.

ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا: أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءاً فجزءاً حتى ينتهي.

ثم جعلنا الليل لباساً: أي يستركم بظلامه كما يستركم اللباس.

والنوم سباتاً: أي راحة لأبدانكم من عناء عمل النهار.

وجعل النهار نشوراً: أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والانتشار بالنهار كالبعث.

بشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بالمطر قبل نزوله، والمطر هو الرحمة.

ماء طهوراً: أي تتطهرون به من الأحداث والأوساخ.

لنحيي به بلدة ميتاً: أي بالزروع والنباتات المختلفة.

أنعاماً وأناسي كثيراً: أي حيواناً وأناساً كثيرين.

ولقد صرفناه بينهم: أي المطر فينزل بأرض قوم ولا ينزل بأخرى لحكم عالية.

ليذكروا: أي يذكروا فضل الله عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا.

فأبى أكثر الناس إلا كفوراً: أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إلا كفوراً جحوداً للنعمة.

معنى الآيات:

قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد وهي مظاهر لربوبية الله تعالى المقتضية لألوهيته فأولاً الظل وهو المشاهد من وقت الإِسفار إلى طلوع الشمس وقد مدّه الخالق عز وجل أي بسطه في الكون، ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله وانكماشه شيئاً فشيئاً، ولو شاء الله تعالى لجعله ساكناً لا يبارح ولا يغادر ولكنه حسب مصلحة عباده جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئاً فشيئاً فيطول تدريجياً لتعرف به ساعات النهار وأوقات الصلوات حتى يبلغ من الطول حداً كبيراً كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضاً يسيراً خفياً سريعاً حين تغرب الشمس ويغشاه ظلام الليل. هذه آية من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي قال تعالى فيه { أَلَمْ تَرَ } أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } ينتقل، { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.

وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً } أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب، { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } أي وجعل النوم قطعاً للعمل فتحصل به راحة الأبدان { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } أي حياة بعد وفاة والنوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.

السابقالتالي
2