الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

شرح الكلمات:

ليسأذنكم: أي ليطلب الاذن منكم في الدخول عليكم.

ملكت أيمانكم: من عبيد وإماء.

لم يبلغوا الحلم منكم: أي سن التكليف وهو وقت الاحتلام خمسة عشر سنة فما فوق.

تضعون ثيابكم: أي وقت القيلولة للإِستراحة والنوم.

ثلاث عورات لكم: العورة ما يتسحي من كشفه، وهذه الأوقات الثلاثة ينكشف فيها الإِنسان في فراشه فكانت بذلك ثلاث عورات.

بعدهن: أي بعد الأوقات الثلاثة المذكورة.

طوافون عليكم: أي للخدمة.

بعضكم على بعض: أي بعضكم طائف على بعض.

فليستأذنوا: أي في جميع الأوقات لأنهم أصبحوا رجالاً مكلفين.

والقواعد من النساء: أي اللاتي قعدن عن الحيض والولادة لكبر سنهن.

أن يضعن ثيابهن: كالجلباب والعباءة والقناع والخمار.

غير متبرجات بزينة: أي غير مظهرات زينة خفية كقلادة وسوار وخلخال.

وأن يستعففن خير لهن: بأن لا يضعن ثيابهن خير لهم من الأخذ بالرخصة.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } روي في نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائماً في وقت الظهيرة فدق الباب ودخل فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء فقال عندها عمر وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعة إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت فخر ساجداً شكراً لله تعالى.

فقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } هو نداء لكل المؤمنين في كل عصورهم وديارهم. وقوله { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } أي علموا أطفالكم وخدمكم الاستئذان عليكم في هذه الأوقات الثلاثة وأمروهم بذلك. وقوله: { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } هي المبينة في قوله: { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ } وهي ساعات النوم من الليل، { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } وهي القيلولة، { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } وهي بداية نوم الليل. وقوله: { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } أي هي منطقة انكشاف العورة فيها فاطلق عليها اسم العورة والعورة ما يستحي من كشفه وقوله: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ } أي ولا على الأطفال والخدم { جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } أي بعد المرات الثلاث وقوله: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } أي يدخلون ويخرجون عليكم للخدمة. { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي بعضكم يدخل على بعض للخدمة فلا غنى عنه فلذا فلا حرج عليكم في غير الأوقات الثلاثة.

وقوله تعالى: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ } أي كهذا التبيين الذي بين لكم حكم الاستئذان يبين الله لكم الآيات المتضمنة للشرائع والأحكام والآداب فله الحمد وله المنة وقوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } أي بخلقه وما يحتاجون إليه في إكمالهم وإسعادهم { حَكِيمٌ } فيما يشرع لهم ويفرض عليهم.

وقوله تعالى في الآية الثانية [59] { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ } أي إذا بلغ الطفل سن الاحتلام وهو البلوغ واحتلم فعليه أن لا يدخل على غير محارمه إلا بعد الإِستئذان كما يفعل ذلك الرجال من قبله إذ قد أصبح بالبلوغ الذي علامته الإِحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة فأكثر أصبح رجلاً تماماً فعليه أن لا يدخل بيت أحد إلا بعد أن يستأذن هذا معنى قوله تعالى: { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } وهم الرجال وقوله تعالى: { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ } أي المتضمنة لأحكامه وشرائعه { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بخلقه وما يصلح لهم { حَكِيمٌ } في شرعه وهذه حال توجب طاعته تعالى فيما يأمر به وينهى عنه وقوله تعالى: { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } أي والتي قعدت عن الحيض والولادة لكبر سنها بحيث أصبحت لا ترجو نكاحاً ولا يرجى منها ذلك فهذه ليس عليها إثم ولا حرج في أن تضع خمارها من فوق رأسها، أو عباءتها من فوق ثيابها التي على جسمها حال كونها غير متبرجة أي مظهرة زينة لها كخضاب اليدين والأساور في المعصمين والخلاخل في الرجلين، أو أحمر الشفتين، وما إلى ذلك مما هو زينة يجب ستره وقوله تعالى: { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } أي ومن لازمت خمارها وعجارها ولم تظهر للأجانب كاشفة وجهها ومحاسنها خير هلا حالاً ومآلاً، وحسبها ان يختار الله لها فما اختاره لها لن يكون إلا خيراً في الدنيا والآخرة فعلى المؤمنات أن يخترن ما اختار الله لهن.

السابقالتالي
2