الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

شرح الكلمات:

يجادل في الله: أي في شأن الله تعالى فينسب إلى الله تعالى ما هو منه براء كالشريك والولد والعجز عن إحياء الموتى، وهذا المجادل هو أبو جهل.

بغير علم: أي بدون علم من الله ورسوله.

ولا كتاب منير: أي ولا كتاب من كتب الله ذي نور يكشف الحقائق ويقرر الحق ويبطل الباطل.

ثاني عطفه: أي لآوى عنقه تكبراً، لأن العطف الجانب من الإِنسان.

له في الدنيا خزي: وقد أذاقه الله تعالى يوم بدر إذ ذبح هناك واحتز رأسه.

بظلام للعبيد: أي بذي ظلم للعبيد فيعذبهم بغير ظلم منهم لأنفسهم.

يعبد الله على حرف: أي على شك في الإِسلام هل هو حق أو باطل وذلك لجهلهم به وأغلب هؤلاء أعراب البادية.

اطمأن به: أي سكنت نفسه إلى الإِسلام ورضي به.

وإن أصابته فتنة: أي ابتلاء بنقص مال أو مرض في جسم ونحوه.

إنقلب على وجهه: أي رجع عن الإِسلام إلى ما كان عليه من الكفر الجاهلي.

ما لا يضره ولا ينفعه: أي صنماً لا يضره إن لم يعبده، ولا ينفعه إن عَبَدَه.

لبئس المولى: أي قبح هذا الناصر من ناصر.

ولبئس العشير: أي المعاشر وهو الصاحب الملازم.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } هذه شخصية ثانية معطوفة على الأولى التي تضمنها قوله تعالى:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } [الحج: 3] وهي شخصية النضر بن الحارث أحد رؤساء الفتنة في مكة، وهذِه الشخصية هي فرعون هذه الأمة عمرو بن هشام الملقب بأبي جهل يخبر تعالى عنه فيقول: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } بل يجادل بالجهل وما أقبح جدال الجهل والجهَّال ويجادل في الله عز وجل يا للعجب أفيريد أن يثبت لله تعالى الولد والبنت والعجز والشركاء والشفعاء، ولا علم من وحي عنده، ولا من كتاب إلهي موحى به إلى أحد أنبيائه. وقوله تعالى: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } وصف له في حال مشيه وهو يجر رداءه مصعراً خده مائلا إلى أحد جنبيه كبراً وغروراً، وجداله لا لطلب الهدى أو لمجرد حب الإِنتصار للنفس بل ليضل غيره عن سبيل الله تعالى الذي هو الإِسلام حتى لا يدخلوا فيه فيكملوا ويسعدوا عليه في الحياتين. وقوله تعالى: { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي ذل وهوان وقد ناله حيث قتل في بدر شر قتلة فقد احتز رأسه وفُصل عن جئته ونال منه الذين كان يسخر منهم ويعذبهم من ضعفة المؤمنين، وقوله تعالى: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } وقد أذاقه ذلك بمجرد أن قتل فروحه في النار ويوم القيامة يدخلها بجسمه وروحه وقوله تعالى: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أي يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والهوان وعذاب الحريق بما قدمت يداك من الشرك والظلم والمعاصي، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } ، وأنت منهم والله ما ظلمك بل ظلمت نفسك، والله متنزه عن الظلم لكمال قدرته وغناه وقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } أي على شك هذه شخصية ثالثة عطفت على سابقتيها وهي شخصية بعض الاعراب كانوا يدخلون في الإِسلام لا عن علم واقتناع بل عن شك وطمع وهو معنى على حرف فإن أصابهم خير من مال وصحة وعافية اطمأنوا إلى الإِسلام وسكنت نفوسهم واستمروا عليه، وإن أصابتهم فتنة أي اختبار في نفس أو مال أو ولد انقلبوا على وجوههم أي ارتدوا عن الإِسلام ورجعوا عنه فخسروا بذلك الدنيا والآخرة فلا الدنيا حصلوا عليها ولا الآخرة فازوا فيها، قال تعالى: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } أي البين الواضح إذ لو بقوا على الإِسلام لفازوا بالآخرة، ولأخلف الله عليهم ما فقدوه من مال أو نفس، وقوله تعالى { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي ذلك المنقلب على وجهه المرتد يدعوا { مَا لاَ يَضُرُّهُ } أي صنماً لا يضره لو ترك عبادته { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إن عبده وقوله تعالى: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } أي دعاء وعبادة ما لا يضر ولا ينفع ضلال عن الهدى والخير والنجاح والربح وبعيدٌ أيضاً قد لا يرجع صاحبه ولا يهتدي.

السابقالتالي
2