الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

شرح الكلمات:

إن هذه أمتكم: أي ملتكم وهي الإِسلام ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين الأنبياء واحد وهو عبادة الله تعالى وحده بما يشرع لهم.

وأنا ربكم فاعبدون: أنا الهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فلا تنبغي العبادة إلا لي فاعبدون ولا تعبدوا معي غيري.

وتقطعوا أمرهم بينهم: أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنيات وما أكثرها.

كل إلينا راجعون: أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت الإِسلام راجعة إلينا وسوف نجزيها بكسبها.

فلا كفران لسعيه: أي لا نكران ولا جحود لعمله بل سوف يجزى به وافياً.

وإنا له كاتبون: إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها.

وحرام: أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.

يأجوج ومأجوج: قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة.

حدب: أي مرتفع من الأرض.

ينسلون: أي يسرعون المشي.

الوعد الحق: يوم القيامة.

في غفلة من هذا: أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث.

معنى الآيات:

بعد ذكر أولئك الأنبياء وما أكرمهم الله تعالى به من إفضالات وما كانوا عليه من كمالات قال تعالى مخاطباً الناس كلهم: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ } أي ملتكم { أُمَّةً وَاحِدَةً } أي ملة واحدة من عهد أول الرسل إلى خاتمهم وهو الإِسلام القائم على الإِخلاص لله في العبادة والخلوص من الشرك وقوله تعالى: { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } ينعى تعالى على الناس تقطيعهم الإِسلام إلى ملل شتى كاليهودية والنصرانية وغيرهما، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، وقوله { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } إخبار منه تعالى أنهم راجعون إليه لا محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين الإِسلامي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه. وقوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } والحال أنه مؤمن، والمراد من الصالحات ما شرعه الله تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي لعمله فلا يجحد ولا ينكر بل يراه ويجزي به كاملاً. وقوله تعالى: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } يريد أن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضاً أحسن جزاء وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإِيمان والعمل الصالح جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.

وقوله تعالى: { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعاً كاملاً أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا، وهذا بناء على أن { لاَ } مزيدة لتقوية الكلام ويحتمل الكلام معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى الله تعالى بعذابهم في الدنيا أو في الآخرة أنهم يرجعون إلى الإِيمان والطاعة والتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون إلى التوبة بحال، ومعنى ثالث وهو حرام على أهل قرية أهلكهم الله بذنوبهم فأبادهم إنهم لا يرجعون إلى الله تعالى يوم القيامة بل يرجعون للحساب والجزاء فهذه المعانى كلها صحيحة، والمعنى الأخير لا تكلف فيه بكون { لاَ } صلة بل هي نافية ويرجح المعنى الأخير قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } فهو بيان لطريق رجوعهم إلى الله تعالى وذلك يوم القيامة وبدايته بظهور علاماته الكبرى ومنها إنكسار سد يأجوج ومأجوج وتدفقهم في الأرض يخربون ويدمرون { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ } وصوب { يَنسِلُونَ } مسرعين.

السابقالتالي
2