الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }

شرح الكلمات:

في الحرث: أي في الكرم الذي رعته الماشية ليلا.

نفشت فيه: أي رعته ليلاً بدون راع.

شاهدين: أي حاضرين صدور حكمهم في القضية لا يخفى علينا شيء من ذلك.

ففهمناها: أي القضية التي جرى فيها الحكم.

وكلاً آتينا حكماً وعلماً: أي كلاً من داود وولده سليمان أعطيناه حكماً أي النبوة وعلماً بأحكام الله وفقهها.

يسبحن: أي معه إذا سبح.

وكنا فاعلين: أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فلا تعجبوا.

صنعة لبوس لكم: هي الدروع وهي من لباس الحرب.

لتحصنكم: أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح.

فهل أنتم شاكرون: أي اشكروا فالاستفهام معناه الأمر هنا.

إلى الأرض التي باركنا: أي أرض الشام.

يغوصون: أي في أعماق البحر لاستخراج الجواهر.

ويعملون عملاً دون ذلك: أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات.

وكنا لهم حافظين: أي لأعمالهم حتى لا يفسدوها.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده، وفي ذلك تقرير لنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي كذبت بها قريش فقال تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } أي واذكر يا نبينا داود وسليمان { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } اي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان في الحرث الذي { نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعت فيه ليلاً بدون راع فأكلته وأتلفته { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } حاضرين لا يخفى علينا ما حكم به كل منهما، إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية مقابل ما أتلفته لأن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته، وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الماشية الرزع يقوم عليه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها وسخالها فإذا ردت إليه كرومة كما كانت أخذها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الأول وهو قوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا } أي الحكومة أو القضية أو الفتيا سليمان، ولم يعاتب داود على حكمه، وقال: { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } تلافياً لما قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم.

وقوله: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ } أي داود { صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } وهي الدروع السابغة التي تقي لا سبها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }؟ أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والإِعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله { وَلِسُلَيْمَانَ } أي وسخرنا لسليمان { ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } شديدة السرعة { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } إذْ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام.

السابقالتالي
2