الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

شرح الكلمات:

الخمر: كل ما خامر العقل وغطاه فأصبح شاربه لا يميز ولا يعقل، ويطلق لفظ الخمر على عصير العنب أو التمر أو الشعير وغيرها.

الميسر: القمار وسمي ميسراً لأن صاحبه ينال المال بيسر وسهولة.

الإِثم: كل ضار فاسد يضر بالنفس أو العقل أو البدن أو المال أو العرض.

المنافع: جمع منفعة وهي ما يسرّ ولا يضر من سائر الأقوال والأفعال والموادّ.

العفو: العفو هنا: ما فضل وزاد عن حاجة الإِنسان من المال.

تتفكرون: فتعرفون ما ينفع في كل منهما فتعملون لدنياكم ما يصلحها، وتعملون لآخرتكم ما يسعدكم فيها، وينجيكم من عذابها.

تخالطونهم: تخلطون مالهم مع مالكم ليكون سواء.

لأعنتكم: العنت المشقة الشديدة يقال أعنته إذا كلّفه مشقة شديدة.

معنى الآيتين:

كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور ويقامرون وجاء الإِسلام فبدأ دعوتهم إلى التوحيد والإِيمان بالبعث الآخر إذ هما الباعث القوي على الاستقامة في الحياة، ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من أصحابه وأصبحت المدينة تمثل مجتمعاً إسلامياً وأخذت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً فحدث يوماً أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملان فخلط في القراءة فنزلت آية النساءيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [الآية: 43] فكانوا لا يشربونها إلا في أوقات معينة وهنا كثرت التساؤلات حول شرب الخمر فنزلت هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } فأجابهم الله تعالى بقوله { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار لهذه الآية. وبقي آخرون فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: (اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً) فاستجاب الله تعالى له ونزلت آية المائدة:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } [الآية: 90] إلى قولهفَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [الآية: 91] فقال عمر: (انتهينا ربنا) وبذلك حرمت الخمر وحرم الميسر تحريماً قطعياً كاملاً ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم حدّ الخمر وهو الجلد. وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال: " مدمن الخمر لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه في ثلاثة نفر وهم العاقّ لوالديه، ومسبل إزاره، ومدمن شرب الخمر ".

وقوله تعالى: { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } فهو كما قال تعالى فقد بيّن في سورة المائدة منشأ الإِثم وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة وأي إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين، والإِعراض عن ذكر الله وتضييع الصلاة حقاً إن فيهما لإِثماً كبيراً، وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الإِثم قليلة ومنها الربح في تجارة الخمر وصنعها، وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة، وأما الميسر فمن منافعه الحصول على المال بلا كد ولا تعب وانتفاع بعض الفقراء، به إذ كانوا يقامرون على الجزور من الإِبل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.

السابقالتالي
2