الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

شرح الكلمات:

صرفنا: أي بيّنا وكررنا البيان.

من كل مثل: المثل الصفة المستغربة العجيبة.

جدلاً: أي مخاصمة بالقول.

سنة الأولين: أي العذاب بالإِبادة الشاملة والاستئصال التام.

قبلا: عياناً ومشاهدة.

ليدحضوا به الحق: أي يبطلوا به الحق.

هزواً: أي مهزوءاً به.

أكنة: أغطية.

وفي آذانهم وقراً: أي ثقلاً فهم لا يسمعون.

موئلاً: أي مكاناً يلجأون إليه.

لمهلكهم موعداً: أي وقتاً معيناً لإِهلاكهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في بيان حجج الله تعالى على عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فينجوا من عذابه ويدخلوا دار كرامته فقال تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } أي ضربنا فيه الأمثال الكثيرة وبيّنا فيه الحجج العديدة، { صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } من الوعد والوعيد ترغيباً وترهيباً، وقابلوا كل ذلك بالجحود والمكابرة، { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } فأكثر هم الإنسان يصرفه في الجدل والخصومات حتى لا يذعن للحق ويسلم به ويؤديه إن كان عليه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى: [54] أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن الناس ما منعهم { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } وهو بيان طريق السعادة والنجاة بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الكفر والشرك وسوء الأعمال { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } بعذاب الاستئصال والإِبادة الشاملة، { أَوْ يَأْتِيَهُمُ } عذاب يوم القيامة معاينة وهو معنى قوله تعالى: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } وحينئذ لا ينفع الإِيمان. وقوله تعالى: { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } أي دعاة هداة يبشرون من آمن وعمل صالحاً بالجنة وينذرون من كفر، وعمل سوءاً بالنار. فلم نرسلهم جبارين ولم نكلفهم بهداية الناس أجمعين، لكن الذين كفروا يتعامون عن هذه الحقيقة ويجادلون { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ }. { وَٱتَّخَذُوۤاْ } آيات الله وحججه { وَمَآ أُنْذِرُواْ } به من العذاب اللازم لكفرهم وعنادهم اتخذوه سخرية وهزءاً يهزءون به ويسخرون منه وبذلك أصبحوا من أظم الناس. وهو ما قررته الآية [57] إذ قال تعالى فيها: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي من الإِجرام والشر والشرك. اللهم إنه لا أحد أظلم من هذا الإِنسان الكافر العنيد. ثم ذكر تعالى سبب ظلم وإعراض ونسيان هؤلاء الظلمة المعرضين الناسين وهو أنه تعالى حسب سنته فيمن توغل في الشر والظلم والفساد يجعل على قلبه كناناً يحيطه به فيصبح لا يفقه شيئاً. ويجعل في أذنيه ثقلاً فلا يسمع الهدى. ولذا قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً } أي بعد ما جعل على قلوبهم من الأكنة وفي آذانهم من الوقر { أَبَداً }.

وقوله تعالى: { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ } أي لو يؤاخذ هؤلاء الظلمة المعرضين { لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } ، ولكن مغفرته ورحمته تأبيان ذلك وإلا لعجل لهم العذاب فأهلكهم أمامكم وأنتم تنظرون.

السابقالتالي
2