الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

شرح الكلمات:

إن أحسنتم: أي طاعة الله وطاعة رسوله بالإِخلاص فيها وبأدائها على الوجه المشروع لها.

أحسنتم لأنفسكم: أي أن الأجر والمثوبة والجزاء الحسن يعود عليكم لا على غيركم.

وإن أسأتم: أي في الطاعة فإلى أنفسكم سوء عاقبة الإِساءة.

وعد الآخرة: أي المرة الآخرة المقابلة للأولى وقد تقدمت.

ليسوءوا وجوهكم: اي يقبحوها بالكرب واسوداد الحزن وهم الذل.

وليدخلوا المسجد: أي بيت المقدس.

وليتبروا ما علوا تتبيرا: أي وليدمروا ما غلبوا عليه من ديار بني إسرائيل تدميراً.

وإن عدتم عدنا: أي وإن رجعتم إلى الفساد والمعاصي عدنا بالتسليط عليكم.

حصيراً: أي محبساً وسجناً وفراشاً يجلسون عليها فهي من فوقهم ومن تحتهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل فبعد أن أخبرهم تعالى بما حكم به عليهم في كتابهم أنهم يفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كبيراً. وأنه إذا جاء مقيات أولى المرتين بعث عليهم عباداً أشداء أقوياء وهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوهم، أنه تعالى رد لهم الكرة عليهم فانتصروا عليهم وقتل داود جالوت وتكونت لهم دولة عظيمة كانت أكثر الدول رجالاً وأوسعها سلطاناً وذلك لرجوعهم إلى الله تعالى بتطبيق كتابه والتزام شرائعه وهناك قال تعالى لهم: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } أي إن أحسنتم باتباع الحق والتزام الطاعة لله ورسوله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والأخذ بسنن الله تعالى في الاصلاح البشري وإن أسأتم بتعطيل الشريعة والانغماس في الملاذ والشهوات فإن نتائج ذلك عائدة على أنفسكم حسب سنة الله تعالى:مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [النساء: 123]. وقوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي وقتها المعين لها، وهي المرة الآخرة بعد الأولى بعث أيضاً عليهم عباداً له وهم بختنصّر وجنوده بعثهم عليهم ليسودوا وجوههم بما يصيبونهم به من الهم والحزن والمهانة والذل { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } أي بيت المقدس كما دخلوه أول مرة { وَلِيُتَبِّرُواْ } أي يدمروا ما علو أي ما غلبوا عليه من ديارهم { تَتْبِيراً } أي تدميراً كاملاً وتحطيما تاماً وحصل لهم هذا لما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وكثيراً من العلماء وبعد أن ظهر فيهم الفسق وفي نسائهم التبرج والفجور واتخاذ الكعب العالي. كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } فهذا خَيْر عظيم لهم لو طلبوه بصدق لفازوا به ولكنهم أعرضوا عنه وعاشوا على التمرد على الشرع والعصيان لله ورسله. وقوله وإن عدتم عدنا أي وإن عدتم إلى الفسق والفجور عدنا بتسليط من نشاء من عبادنا فانجزهم الله تعالى ما وعدهم فسلط عليهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فاجلى بني قينقاع وبني النضير من المدينة وقتل بني قريضة كما سلط عليهم ملوك أروبا فطاردوهم وساموهم الخسف وأذاقوهم سوء العذاب في قرون طويلة وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } أي إن كان عذاب الدنيا بالتسلط على الظالمين وسلبهم حريتهم وإذاقتهم عذاب القتل والأسر والتشريد فإن عذاب الآخرة هو الحبس والسجن في جهنم تكون حصيراً للكافرين لا يخرجون منها للكافرين أي الذين يكفرون شرائع الله ونعمه عليهم بتعطيل الأحكام وتضييع الفرائض وإهمال السنن والانغماس في الملاذ والشهوات.

السابقالتالي
2