الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } * { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } * { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } * { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }

شرح الكلمات:

وبالحق أنزلناه: أي القرآن.

وبالحق نزل: أي نزل ببيان الحق في العبادات والعقائد والأخبار والمواعظ والحكم والأحكام.

وقرآناً فرقناه: أن نزلناه مفرقاً في ظرف ثلاث وعشرين سنة لحكمة اقتضت ذلك.

على مكث: أي على مهل وتؤده ليفهمه المستمع إليه.

ونزلناه تنزيلاً: أي شيئاً فشيئاً حسب مصالح الأمة لتكمل به ولتسعد عليه.

أوتوا العلم من قبله: أي مؤمنوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي.

للأذقان سجداً: أي سجداً على وجوههم، ومن سجد على وجهه فقد خرَّ على ذقنه ساجداً.

إن كان وعد ربنا لمفعولاً: منجزاً، واقعاً، فقد أرسل النبي الأمي الذي بشرت به كتبه وأنزل عليه كتابه.

معنى الآيات:

يقول تعالى: { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } أي ذلك الكتاب الذي جحد به الجاحدون، وكذب به المشركون أنزلناه بالحق الثابت حيث لا شك أنه كتاب الله ووحيه إلى رسوله، { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } فكل ما جاء فيه ودعا إليه وأمر به. وأخبر عنه من عقائد وتشريع وأخبار ووعد ووعيد كله حق ثابت لا خلاف فيه ولا ريبة منه. وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي لم نرسلك لخلق الهداية في قلوب عبادنا ولا لإِجبارهم بقوة السلطان على الإِيمان بنا وتوحيدنا، وإنما أرسلناك للدعوة والتبليغ { مُبَشِّراً } من أطاعنا بالجنة ومنذراً من عصانا مخوفاً من النار. وفي هذا تقرير لرسالته صلى الله عليه وسلم ونبوته وقوله تعالى: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } أي أنزلنا القرآن وفرقناه في خلال ثلاث وعشرين سنة لحكمة منا اقتضت ذلك وقوله { لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } آيات بعد آيات ليكون ذلك أَدْعَى إلى فهم من يسمعه ويستمع إليه، وقوله تعالى: { وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } أي شيئاً فشيئاً حسب مصالح العباد وما تتطلبه تربيتهم الروحية والانسانية ليكملوا به، عقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ويسعدوا به في الدارين وقوله تعالى: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أي قل يا رسولنا للمنكرين للوحي القرآني مِنْ قومك، آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به كعدمه لا يغير من واقعه شيئاً فسوف يؤمن به ويسعد عليه غيركم إن لم تؤمنوا أنتم به وهاهم أولاء الذين أوتوا العلم من قبله من علماء أهل الكتابين اليهود والنصارى قد آمنوا به، يريد أمثال عبدالله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي أصحم الحبشي وإنهم { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي يُقرأ عليهم { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } أي يخرون ساجدين على أذقانهم ووجوههم ويقولون حال سجودهم { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } أي تنزيهاً له أن يخلف وعده إذ وعد أنه يبعث نبي آخر الزمان وينزل عليه قرآناً، { إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } إقراراً منهم بالنبوة المحمدية والقرآن العظيم، أي ناجزاً إذ وعد بإرسال النبي الخاتم وإنزال الكتاب عليه فأنجز ما وعد، وهكذا وعد ربنا دائماً ناجز لا يتخلف، وقوله { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } أي عندما يسمعون القرآن لا يسجدون فحسب بل يخرون يبكون ويزيدهم سماع القرآن وتلاوته خشوعاً في قلوبهم واطمئناناً في جوارحهم لأنه الحق سمعوه من ربهم.

السابقالتالي
2