الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } * { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } * { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } * { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }

شرح الكلمات:

خزائن رحمة ربي: أي من المطر والأرزاق.

لأمسكتم: أي منعتم الانفاق.

خشية الإِنفاق: خوف النفاد.

قتوراً: أي كثير الاقتار أي البخل والمنع للمال.

تسع آيات بينات: أي معجزات بينات أي واضحات وهو اليد والعصا والطمس إلخ.

مسحوراً: أي مغلوياً على عقلك، مخدوعاً.

ما أنزل هؤلاء: أي الآيات التسع.

مثبوراً: هالكاً بانصرافك عن الحق والخير.

فأراد أن يستفزهم: أي يستخفهم ويخرجهم من ديار مصر.

اسكنوا الأرض: أي أرض القدس والشام.

الآخرة: أي الساعة.

لفيفاً: أي مختلطين من أحياء وقبائل شتى.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد لأولئك الذين يطالبون بتحويل جبل الصفا إلى ذهب، وتحويل المنطقة حول مكة إلى بساتين من نخيل وأعناب تجري الأنهار من خلالها، قل لهم، لو كنتم أنتم تملكون الخزائن رحمة ربي من الأموال والأرزاق لأمسكتم بخلابها ولم تنفقوها خوفاً من نفاذها إذ هذا طبعكم، وهو البخل، { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ } قبل هدايته وإيمانه { قَتُوراً } أي كثير التقتير بخلاً وشحاً نفسياً ملازماً له حتى يعالج هذا الشح بما وضع الله تعالى من دواء نافع جاء بيانه في سورة المعارج من هذا الكتاب الكريم.

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي، ولقد أعطينا موسى بن عمران نبي بني إسرائيل تسع آيات وهي: اليد، والعصا والدم، وانفلاق البحر، والطمس على أموال آل فرعون، والطوفان والجراد والقمل والضفادع، فهل آمن عليها آل فرعون؟! لا، إذاً، فلو أعطيناك ما طالب به قومك المشركون من الآيات الست التي اقترحوها وتقدمت في هذه السياق الكريم مبينة، ما كانوا ليؤمنوا بها، ومن هنا فلا فائدة من إعطائك إياها.

وقوله تعالى: { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي سل يا نبينا علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، إذ جاءهم موسى بطالب فرعون بإرسالهم معه ليخرج بهم إلى بلاد القدس، وأرى فرعون الآيات الدالة على صدق نبوته ورسالته وأحقية ما يطالب به فقال له فرعون: { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } أي ساحراً لإِظهارك ما أظهرت من هذه الخوارق، ومسحوراً بمعنى مخدوعاً مغلوباً على عقلك فتقول الذي تقول مما لا يقوله العقلاء فرد عليه موسى بقوله بما أخبر تعالى به في قوله { لَقَدْ عَلِمْتَ } أي فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب السماوات أي خالقها ومالكها والمدبر لها { بَصَآئِرَ } أي آيات واضحات مضيئات هاديات لمن طلب الهداية، فعميت عنها وأنت تعلم صدقها { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً }! أي من أجل هذا أظنك يا فرعون ملعوناً، من رحمة الله مبعداً مثبوراً هالكاً. فلما أعيته أي فرعون الحجج والبينات لجأ إلى القوة، { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي يستخفهم من أرض مصر بالقتل الجماعي استئصالاً لهم، أو بالنفي والطرد والتشريد، فعامله الرب تعالى بنقيض، قصده فأغرقه الله تعالى هو وجنوده أجمعين، وهو معنى قوله تعالى: { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ } أي من الجنود { جَمِيعاً } وقوله تعالى: { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ } أي من بعد هلاك فرعون وجنوده لبني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } أي أرض القدس والشام إلى نهاية آجالكم بالموت.

السابقالتالي
2