الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

شرح الكلمات:

ومن ثمرات النخيل والأعناب: أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون منه سكراً أي خمرا ورزقاً حسناً أي والتمر والزبيب والخل والدبس الرزق الحسن.

وأوحى ربك إلى النحل: أي ألهمها أن تفعل ما تفعله بإلهام منه تعالى.

ومما يعرشون: أي يبنون لها.

سبل ربك ذللاً: أي طرق ربك مذللةً فلا يعسر عليك السير فيها ولا تضلين عنها.

شراب: أي عسل.

فيه شفاء للناس: أي من الأمراض إن شرب بنية الشفاء، أو بضميمته إلى عقار آخر.

إلى أرذل العمر: أي أخَسَّه من الهرم والخرف، والخرف فساد العقل.

معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده والمقررة لعقيدة النبوة والبعث الآخر. قال تعالى في معرض بيان ذلك بأسلوب الامتنان المقتضي للشكر { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } ورزقاً حسناً أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون منه سكراً أي شراباً مسكراً. وهذا كان قبل تحريم الخمر { وَرِزْقاً حَسَناً } وهو الزبيب والخل من العنب والتمر والدبس العسل من النخل وقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي أن فيما ذكرنا لكم لآية أي دلالة واضحة على قدرتنا وعلمنا ورحمتنا لقومٍ يعقلون الأمور ويدركون نتائج المقدمات، فذو القدرة والعلم والرحمة هو الذي يستحق التأليه والعبادة.. وقوله: { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } هذا مظهر آخر عظيم من مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته يتجلى بإعلامه حشرة النحل كيف تلد العسل وتقدمه للإِنسان فيه دواء من كل داء، فقوله { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ } أيها الرسول { إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } بأن ألهمها { أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ } أيضاً بيوتاً، { وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } أي ومما يعرش الناس لَكِ أي يبنون لَكِ، اتخذي من ذلك بيوتاً لَكِ إذ النحلة تتخذ لها بيتاً داخل العريش الذي يعرش لها تبنيه بما تفرزه من الشمع وقوله تعالى: { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي ألهمها أن تأكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات من الأشجار والنباتات أي من أزهارها ونوارها وقوله لها { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } بإلهام منه تسلك ما سخر لها وذلك من الطرق فتنتقل من مكان إلى آخر تطلب غذاءها ثم تعود إلى بيوتها لا تعجز ولا تضل وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها. وقوله تعالى { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا } أي بطون النحل { شَرَابٌ } أي عسل يشرب { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } ما بين أبيض وأحمر وأسود، أو أبيض مشرب بحمرة أو يضرب إلى صفرة. وقوله تعالى: { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } أي من الأدواء، هذا التذكير في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاقير الأخرى، أمَّا مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء لكل داء وبدون ضميمة أي شيء آخر له.

السابقالتالي
2