الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }

شرح الكلمات:

تالله: أي والله.

أرسلنا إلى أمم من قبلك: أي رسلاً.

فزين لهم الشيطان أعمالهم: فكذبوا لذلك الرسل.

فهو وليهم اليوم: أي الشيطان هو وليهم أي في الدنيا.

إن في ذلك لآية: أي دلالة واضحة على صحة عقيدة البعث الآخر.

لآية لقومٍ يسمعون: أي سماع تدبر وتفهم.

لعبرةً: أي دلالة قوية يعبر بها من الجهل إلى العلم لأن العبرة من العبور.

من بين فرثٍ: أي ثَفَل الكِرْش، أي الروث الموجود في الكرش.

لبناً خالصاً: أي ليس فيه شيء من الفرث ولا الدم، لا لونه ولا رائحته ولا طعمه.

معنى الآيات:

يقسم الله تعالى بنفسه لرسوله فيقول بالله يا رسولنا { لَقَدْ أَرْسَلْنَآ } رسلاً { إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ } كانوا مشركين كافرين كأمتك { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } فقاوموا رسلنا وحاربوهم وأصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان، لذلك { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } أي في الدنيا { وَلَهُمْ } في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قال تعالى في الآية الثانية: { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي لإِرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال. كما أنزلنا الكتاب هدىً يهتدى به المؤمنون إلى سبل سعادتهم ونجاحهم، ورحمةً تحصل لهم بالعمل به عقيدةً وعبادةً وخلقاً وأدباً وحكماً، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام.

بعد هذه التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاد السياق إلى الدعوة إلى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى: { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ } الآية فقال تعالى: { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } الماء هو ماء المطر وحياة الارض بالنبات والزرع بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها { لآيَةً } واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته، وعلمه ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى. وقوله تعالى: { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } أي حالاً تعبرون بها من الجهل إلى العلم... من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره إلى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا.. وبين وجه العبرة العظيمة فقال: { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } أي بطون المذكور من الأنعام { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها.. اللبن يقع بين الفرث والدم، فينتقل الدم إلى الكبد فتوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان، واللبن يساق إلى الضرع، والفرث يبقى أسفل الكرش، ويخرج اللبن خالصاً من شائبة الدم وشائبة الفرث فلا يرى ذلك في لون اللبن ولا يشم في رائحته ولا يوجد في طعمه بدليل أنه سائغ للشاربين، فلا يغص به شارب ولا يشرق به، حقاً! أ‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‌انها عبرة من أجل العبر تنقل صاحبها إلى نور العلم والمعرفة بالله في جلاله وكماله، فتورثه محبة الله وتدفعه إلى طاعته والتقرب إليه.

السابقالتالي
2