الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } * { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } * { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ }

شرح الكلمات:

واستفتحوا: أي طلب الرسل الفتح لهم أي النصر على أقوامهم الظالمين.

وخاب: أي خسر وهلك.

كل جبار عنيد: أي ظالم يجبر الناس على مراده عنيد كثير العناد.

من ماء صديد: أي هو ما يخرج سائلاً من أجواف أهل النار مختلطاً من قيح ودم وعرق.

يتجرعه ولا يكاد يسيغه: أي يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ولا يقارب ازدراده لقبحه ومراراته.

ويأتيه الموت من كل مكان: أي لشدة ما يحيط به من العذاب فكل أسباب الموت حاصلة ولكن لا يموت.

أعمالهم كرماد: أي الصالحة منها كصلة الرحم وبر الوالدين وإقراء الضيف وفك الأسير والفاسدة كعبادة الأصنام بالذبح لها والنذر والحلف والعكوف حولها كرماد.

لا يقدرون مما كسبوا على شيء: أي لا يحصلون من أعمالهم التي كسبوها على ثواب وإن قل لأنها باطلة بالشرك.

وما ذلك على الله بعزيز: أي بصعب ممتنع عليه.

معنى الآيات:

هذا آخر حديث ما ذكر به موسى قومه من أنباء الأمم السابقة على بني إسرائيل، قال تعالى في الإِخبار عنهم: { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي واستفتح الرسل أي طلبوا من الله تعالى أن يفتح عليهم بنصر على أعدائه وأعدائهم واستجاب الله لهم، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي خسر وهلك كل ظالم طاغ معاند للحق وأهله، وقوله: { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } أي أمامه جهنم تنتظره سيدخلها بعد هلاكه ويعطش ويطلب الماء فتسقيه الزبانية { مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } أي وهو صديد أهل النار وهو ما يخرج من قيح ودم وعرق، { يَتَجَرَّعُهُ } ، أي يبتلعه جرعة بعد أخرى لمرارته { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي يدخله جوفه الملتهب عطشاً لقبحه ونتنه ومرارته وحرارته، وقوله تعالى: { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } أي ويأتي هذا الجبار العنيد والذي هو في جهنم يقتله الظمأ فيسقى بالماء الصديد يأتيه الموت لوجود أسبابه وتوفرها من كل مكان إذ العذاب محيط به من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت لأن الله تعالى لم يشأ ذلك قال تعالى:لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } [الأعلى: 13] وقال:لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [فاطر: 36] ومن وراء ذلك العذاب الذي هو فيه { عَذَابٌ } أي لون آخر من العذاب { غَلِيظٌ } أي شديد لا يطاق، وقوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } أي شديد هبوب الريح فيه { لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ } أي من أعمال في الدنيا { عَلَىٰ شَيْءٍ } أي من الثواب والجزاء والحسن عليها، هذا مثل أعمالهم الصالحة كأنواع الخير والبر والطالحة كالشرك والكفر وعبادة غير الله مما كانوا يرجون نفعه، الكل يذهب ذهاب رماد حملته الريح وذهبت به، مشتدة في يوم عاصف شديد هبوب الريح فيه.

السابقالتالي
2