الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } * { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ }

شرح الكلمات:

وإن تعجب: أي يأخذك العجب من إنكارهم نبوتك والتوحيد.

فعجب: أي فأعجب منه إنكارهم للبعث والحياة الثانية مع وضوح الأدلة وقوة الحجج.

لفي خلق جديد: أي نرجع كما كنا بشراً أحياء.

الأغلال في أعناقهم: أي موانع من الإِيمان والاهتداء في الدنيا، وأغلال تشد بها أيديهم إلى أعناقهم في الآخرة.

بالسيئة: أي بالعذاب.

قبل الحسنة: أي الرحمة وما يحسن بهم من العاقبة والرخاء والخصب.

المثلاث: أي العقوبات واحدها مَثُلة التي قد أصابت المكذبين في الأمم الماضية.

لولا أنزل عليه: أي هلاَّ أنزل، ولولا أداة تحضيض كهلاَّ.

آية من ربه: أي معجزة كعصا موسى وناقة صالح مثلاً.

ولكل قومٍ هاد: أي نبي يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه وحده ولا يشركون به غيره.

ما تحمل كل أنثى: أي من ذكر أو أنثى واحداً أو أكثر أبيض أو أسمر.

وما تغيض الأرحام: أي تنقص من دم الحيض، وما تزداد منه.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى الإِيمان بالتوحيد والنبوة المحمدية والبعث يوم القيامة للحساب والجزاء، فقوله تعالى في الآية الأولى [5] { وَإِن تَعْجَبْ } يا نبينا من عدم إيمانهم برسالتك وتوحيد ربك فعجب أكبر هو عدم إيمانهم بالبعث الآخر، إذ قالوا في إنكار وتعجب: { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي يحصل لنا بعد الفناء والبلى، قال تعالى مشيراً إليهم مسجلاً الكفر عليهم ولازمه وهو الهداية كالتقليد الأعمى والكبر والمجاحدة والعناد، وفي الآخرة أغلال توضع في أعناقهم من حديد تشد بها أيديهم إلى أعناقهم، { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } أي أهلها { هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } أي ماكثون ابداً لا يخرجون منها بحال من الأحوال.

وقوله تعالى في الآية الثانية [6] { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } يخبر تعالى رسوله مقرراً ما قال أولئك الكافرون بربهم ولقائه ونبي الله وما جاء به، ما قالوه استخفافاً واستعجالاً وهو طلبهم العذاب الدنيوي، اذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخوفهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فهم يطالبون به كقول بعضهم:فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32] قبل طلبهم الحسنة وهذا لجهلهم وكفرهم، وإلا لطالبوا بالحسنة التي هي العافية والرخاء والخصب قبل السيئة التي هي الدمار والعذاب.

وقوله تعالى: { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ } أي والحال أن العقوبات قد مضت في الأمم من قبلهم كعقوبة الله لعاد وثمود وأصحاب الأيكة والمؤتفكات فما لهم يطالبون بها استبعاداً لها واستخفافاً بها أين ذهبت عقولهم؟ وقوله تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } وهو ظاهر مشاهد اذ لو كان يؤاخذ بالظلم لمجرد وقوعه فلم يغفر لأصحابه لما ترك على الأرض من دابة، وقوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } أي على من عصاه بعد أن أنذره وبين له ما يتقي فلم يتق ما يوجب له العذاب من الشرك والمعاصي.

السابقالتالي
2