الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

شرح الكلمات:

كمن هو أعمى: أي لا يرى الحق ولا يعلمه ولا يؤمن به.

أولوا الألباب: أي أصحاب العقول.

يصلون ما أمر الله به أن يوصل: أي من الإِيمان والتوحيد والأرحام.

ويدرءون بالحسنة: أي يدفعون بالحلم الجهل، وبالصبر الأذى.

عقبى الدار: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة.

جنات عدن: أي جنات إقامة دائمة.

معنى الآيات:

لقد تضمنت هذه الآيات مقارنة ومفاضلة بين شخصيتين: الأولى شخصية مؤمن صالح كحمزة بن عبدالمطلب والثانية شخصية كافر فاسد كأبي جهل المخزومي وبين ما لهما من جزاء في الدار الآخرة، مع ذكر صفات كل منهما، تلك الصفات المقتضية لجزائهما في الدار الآخرة قال تعالى: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } فيؤمن به بعد العلم ويستقيم على منهجه في عقيدته وعبادته ومعاملاته وسلوكه كله. هذه الشخصية الأولى { كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } لم يعلم الحق ولم يؤمن به ولم يعمل بما أنزل إلى الرسول من الشرع.

والجواب قطعاً أنهما لا يستويان ولا يكونان في ميزان العدل والحق متساويين وقوله تعالى: { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي يتعظ بمثل هذه المقارنة أصحاب العقول المدركة للحقائق، والمفرقة بين المتضادّات كالحق والباطل والخير والشر والنافع والضار. وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ } هذا مشروع في بيان صفاتهم المقتضية إنعامهم وإكرامهم نذكر لهم ثماني صفات هي كالتالي: (1) الوفاء بالعهود وعدم نقضها: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } إذ لا دين لمن لا عهد له. (2) وصل ما أمر الله به أن يوصل من الإِيمان والإِسلام والإِحسان والأرحام: { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ }. (3) خشية الله المقتضية لطاعته: { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ }. (4) الخوف من سوء الحساب يوم القيامة المقتضي لمحاسبة النفس على الصغيرة والكبيرة: { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }. (5) الصبر طلبا لمرضاة الله على الطاعات وعن المعاصي، وعلى البلاء: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ }. (6) إقامة الصلاة وهي أداؤها في أوقاتها جماعة بكامل الشروط والأركان والسنن والآداب: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ }. (7) الانفاق مما رزقهم الله في الزكاة والصدقات الواجبة والمندوبة: { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ }. (8) دفع السيئة بالحسنة فيدرءون سيئة الجهل عليهم بحسنة الحلم، وسيئة الأذى بحسنة الصبر.

وقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } اي العاقبة المحمودة وفسرها بقوله { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي إقامة لا ظعن منها يدخلونها هم { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } والصلاح هنا الإِيمان والعمل الصالح. وقوله: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } هذا عند دخولهم الجنة تدخل عليهم الملائكة تهنئهم بسلامة الوصول وتحقيق المأمول وتسلم عليهم قائلة: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } أي بسبب صبركم والإِيمان والطاعة { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }. هذه تهنئة الملائكة لهم وأعظم بها تهنئة وأبرك بها بركة اللهم اجعلني منهم ووالدي وأهل بيتي والمسلمين أجمعين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- المؤمن حيّ يبصر ويعلم ويعمل والكافر ميت أعمى لا يعلم ولا يعمل.

2- الاتعاظ بالمواعظ يحصل لذي عقل راجح سليم.

3- فضل هذه الصفات الثمانية المذكورة في هذه الآيات. أولها الوفاء بعهد الله وآخرها درء السيئة بالحسنة.

4- تفسير عقبى الدار وأنها الجنة.

5- بيان أن الملائكة تهنئ أهل الجنة عند دخولهم وتسلم عليهم.