الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

شرح الكلمات:

في المدينة: أي عاصمة مصر يومئذ.

تراود فتاها: أي عبدها الكنعاني.

قد شغفها حبا: أي دخل حبّه شغاف قلبها أي أحاط بقلبها فتملكه عليها.

إنا لنراها في ضلال مبين: أي في خطأ بيّن بسبب حبها إياه.

فلما سمعت بمكرهن: أي بما تحدثن به عنها في غيبتها.

وأعتدت لهن متكئا: أي وأعدت لهن فراشا ووسائد للاتكاء عليها.

أكبرنه: أي أعظمنه في نفوسهن.

فذلك الذي لمتنني فيه: أي قلتن كيف تحب عبداً كنعانياً.

فاستعصم: أي امتنع مستمسكا بعفته وطهارته.

الصاغرين: الذليلين المهانين.

أصب إليهن: أمل إليهن.

وأكن من الجاهلين: أي المذنبين إذ لا يذنب إلا من جهل قدرة الله واطلاعه عليه.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة يوسف إنه بعد الحكم الذي أصدره شاهد يوسف عليه السلام انتقل الخبر إلى نساء بعض الوزراء فاجتمعن في بيت إحداهن وتحدثن بما هو لوم لامرأة العزيز حيث راودت عبداً لها كنعانياً عن نفسه وهو ما أخبر تعالى عنه في الآيات الآتية قال تعالى { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي عاصمة مصر يومئذ { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا } أي عبدها { عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } أي قد بلغ حبها إياه شغاف قلبها أي غشاءه. { إِنَّا لَنَرَاهَا } أي نظنها { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي خطأ واضح: إذ كيف تحب عبداً وهي من هي في شرفها وعلّو مكانتها. قوله تعالى { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي ما تحدثن به في غيبتها { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } أي فقابلت مكرهن بمكر أعظم منه فأعدت لهن حفلة طعام وشراب فلما أخذن في الأكل يقطعن بالسكاكين الفواكه كالأترج وغيره أمرته أن يخرج عليهن ليرينه فيعجبن برؤيته فيذهلن عن أنفسهن ويقطعن أيديهن بدل الفاكهة التي يقطعنها للأكل وبذلك تكون قد دفعت عن نفسها المعرة والملامة، وهذا ما جاء في قوله تعالى { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً } أي إنسان من الناس. { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ } أي ما هذا إلا ملك { كَرِيمٌ } وذلك لجماله وما وهبه الله تعالى من حسن وجمال في خلقه وخلقه. وهنا قالت ما أخبر تعالى به في قوله { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } أي هذا هو الفتي الجميل الذي لمتنني في حبه ومراودته عن نفسه { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } أي راودته فعلا وامتنع عن إجابتي. { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ } أي به مما أريده منه { لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } أي الذليلين المهانين. وهكذا أسمعته تهديدها أمام النسوة المعجبات به. ومن هنا فزع يوسف إلى ربّه ليخلصه من مكر هذه المرأة وكيدها فقال ما أخبر تعالى به عنه { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } أي يا رب فلذا عد كلامه هذا سؤالاً لربه ودعاء السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه من الإِثم، { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ } أي كيد النسوة { أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي أَمِلْ إليهن { وَأَكُن } أي بفعل ذلك { مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } أي الآثمين بارتكاب معصيتك.

السابقالتالي
2