الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

شرح الكلمات:

وأجمعوا: أي أمرهم على إلقائه في غيابة الجب.

في غيابة الجب: أي في ظلمة البئر.

وأوحينا إليه: أي أعلمناه بطريق خفي سريع.

عشاء: أي بعد غروب الشمس أول الليل.

نستبق: أي بالمناضلة.

عند متاعنا: أي أمتعتنا من ثياب وغيرها.

وما أنت بمؤمن لنا: أي بمصدّق لنا.

بدم كذب: أي بدم مكذوب أي دم سخلة وليس دم يوسف.

بل سولت لكم: أي زينت وحسنت.

على ما تصفون: أي من الكذب.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الإِخبار عما عزم عليه إخوة يوسف أن يفعلوه فقد أقنعوا والدهم يوم أمس على إرسال يوسف معهم إلى البر وها هم أولاء وقد أخذوه معهم وخرجوا به، وما إن بعدوا به حتى تغّيرت وجوههم عليه وصار يتلقى الكلمات النابية والوكز والضرب أحيانا، وقد أجمعوا أمرهم على إلقائه في بئر معلومة لهم في الصحراء، ونفذوا مؤامرتهم وألقوا أخاهم وهو يبكي بأعلى صوته وقد انتزعوا منه قميصه وتركوه مكتوفا في قعر البئر. وهنا أوحى الله تعالى إليه أي أعلمه بما شاء من وسائط العلم إنه سينبئهم في يوم من الأيام بعملهم الشنيع هذا وهو معنى قوله تعالى في السياق { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وبعد أن فرغوا من أخيهم ذبحوا سخلة ولطخوا بدمها قميصه، وعادوا إلى أبيهم مساء يبكون يحملون الفاجعة إلى أبيهم الشيخ الكبير قال تعالى { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً } أي ليلا { يَبْكُونَ } وقالوا معتذرين { يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } أي بمصدق لنا { وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } وقد دلت عباراتهم على كذبهم قال تعالى { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي ذي كذب أو مكذوب إذ هو دم سخلة ذبحوها فأكلوها ولطخوا ببعض دمها قميص يوسف أخيهم ونظر يعقوب إلى القميص وهو ملطخ بالدم الكذب ولم يكن به خرق ولا تمزيق فقال إن هذا الذئب لحليم إذ أكل يوسف ولم يخرق ثوبه، ثم قال ما أخبر تعالى عنه بقوله { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أي لم يكن الأمر كما وصفتم وادعيتم وإنما سولت لكم أنفسكم أمراً فنفذتموه. { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي فأمري صبر جميع والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى معه. { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أي من الكذب.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- جواز صدور الذنب الكبير من الرجل المؤمن المهيء للكمال مستقبلا.

2- لطف الله تعالى بيوسف وإكرامه له بإِعلامه إياه أنه سينّبىء إخوته بفعلتهم هذه وضمن ذلك بشره بسلامة الحال وحسن المآل.

3- اختيار الليل للاعتذار دون النهار لأن العين تستحي من العين كما يقال. وكما قيل " كيف يرجوا الحياء منه صديق... ومكان الحياء منه خراب. يريد عينيه لا تبصران.

4- فضيلة الصبر الجميل وهو الخالي من الجزع والشكوى معاً.