الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } * { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } * { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } * { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } * { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * { وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

قوله { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأرْضُ زِلْزَالَهَا } أي إذا حركت حركة شديدة. وجواب الشرط { تحدث } ، والمراد تحركها عند قيام الساعة، فإنها تضطرب حتى يتكسر كلّ شيء عليها. قال مجاهد وهي النفخة الأولى لقوله تعالىيَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } النازعات 6، 7 وذكر المصدر للتأكيد، ثم أضافه إلى الأرض، فهو مصدر مضاف إلى فاعله، والمعنى زلزالها المخصوص الذي يستحقه، ويقتضيه جرمها وعظمها. قرأ الجمهور { زلزالها } بكسر الزاي، وقرأ الجحدري، وعيسى بفتحها، وهما مصدران بمعنى. وقيل المكسور مصدر، والمفتوح اسم. قال القرطبي والزلزال بالفتح مصدر كالوسواس، والقلقال { وَأَخْرَجَتِ ٱلأرْضُ أَثْقَالَهَا } أي ما في جوفها من الأموات والدفائن، والأثقال جمع ثقل، قال أبو عبيدة، والأخفش إذا كان الميت في بطن الأرض، فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها، فهو ثقل عليها. قال مجاهد أثقالها موتاها تخرجهم في النفخة الثانية. وقد قيل للإنس والجنّ الثقلان، وإظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير. { وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا } أي قال كل فرد من أفراد الإنسان ما لها زلزلت؟ لما يدهمه من أمرها، ويبهره من خطبها. وقيل المراد بالإنسان الكافر، وقوله { ما لها } مبتدأ وخبر، وفيه معنى التعجيب، أي أيّ شيء لها، أو لأيّ شيء زلزلت وأخرجت أثقالها؟ وقوله { يَوْمَئِذٍ } بدل من " إذا " ، والعامل فيهما قوله { تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا } ويجوز أن يكون العامل في إذا محذوفاً، والعامل في يومئذ تحدّث، والمعنى يوم إذا زلزلت وأخرجت تخبر بأخبارها، وتحدّثهم بما عمل عليها من خير وشرّ، وذلك إما بلسان الحال حيث يدلّ على ذلك دلالة ظاهرة، أو بلسان المقال، بأن ينطقها الله سبحانه. وقيل هذا متصل بقوله { وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا } أي قال ما لها { تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا } متعجباً من ذلك، وقال يحيـى بن سلام تحدّث أخبارها بما أخرجت من أثقالها. وقيل تحدّث بقيام الساعة، وأنها قد أتت، وأن الدنيا قد انقضت. قال ابن جرير تبين أخبارها بالرجفة والزلزلة، وإخراج الموتى، ومفعول تحدّث الأوّل محذوف، والثاني هو أخبارها، أي تحدّث الخلق أخبارها. { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } متعلق بـ { تحدّث } ، ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها. وقيل الباء زائدة، وأنّ وما في حيزها بدل من { أخبارها } ، وقيل الباء سببية، أي بسبب إيحاء الله إليها. قال الفرّاء تحدّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها، واللام في { أوحى لها } بمعنى إلى وإنما أثرت على " إلى " لموافقة الفواصل، والعرب تضع لام الصفة موضع إلى. كذا قال أبو عبيدة. وقيل إن { أوحى } يتعدّى باللام تارة، وبإلى أخرى. وقيل إن اللام على بابها من كونها للعلة. والموحى إليه محذوف، وهو الملائكة، والتقدير أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض، أي لأجل ما يفعلون فيها.

السابقالتالي
2 3 4