الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

المراد بـ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } اليهود والمراد بـ { ٱلْمُشْرِكِينَ } مشركو العرب، وهم عبدة الأوثان. و { مُنفَكّينَ } خبر كان. يقال فككت الشيء فانفك، أي انفصل. والمعنى أنهم لم يكونوا مفارقين لكفرهم، ولا منتهين عنه. { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } وقيل الانفكاك بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية، أي لم يكونوا يبلغون نهاية أعمارهم، فيموتوا حتى تأتيهم البينة. وقيل منفكين زائلين، أي لم تكن مدّتهم لتزول حتى تأتيهم البينة، يقال ما انفك فلان قائماً، أي ما زال قائماً، وأصل الفكّ الفتح. ومنه فكّ الخلخال. وقيل منفكين بارحين. أي لم يكونوا ليبرحوا أو يفارقوا الدنيا حتى تأتيهم البينة. وقال ابن كيسان المعنى لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعث. فلما بعث حسدوه وجحدوه، وهو كقولهفَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } البقرة 89 وعلى هذا فيكون قوله { وَٱلْمُشْرِكِينَ } أنهم ما كانوا يسيئون القول في محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعث، فإنهم كانوا يسمونه " الأمين " ، فلما بعث عادوه وأساءوا القول فيه. وقيل مُنفَكّينَ هالكين. من قولهم انفكّ صلبه، أي انفصل. فلم يلتئم فيهلك، والمعنى لم يكونوا معذبين، ولا هالكين إلاّ بعد قيام الحجة عليهم. وقيل إن المشركين هم أهل الكتاب، فيكون وصفاً لم لأنهم قالوا المسيح ابن الله، وعزير ابن الله. قال الواحدي ومعنى الآية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم، وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن، فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم، ودعاهم إلى الإيمان، وهذا بيان عن النعمة، والإنقاذ به من الجهل والضلالة، والآية فيمن آمن من الفريقين. قال وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً وتفسيراً، وقد تخبط فيها الكبار من العلماء، وسلكوا في تفسيرها طرقاً لا تفضي بهم إلى الصواب. والوجه ما أخبرتك، فاحمد الله إذ أتاك بيانها من غير لبس ولا إشكال. قال ويدلّ على أن البينة محمد صلى الله عليه وسلم أنه فسرها وأبدل منها فقال { رَسُولٌ مّنَ ٱللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } يعني ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن، ويدلّ على ذلك أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب انتهى كلامه. وقيل إن الآية حكاية لما كان يقوله أهل الكتاب والمشركون إنهم لا يفارقون دينهم حتى يبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم الموعود به، فلما بعث تفرّقوا، كما حكاه الله عنهم في هذه السورة. والبينة على ما قاله الجمهور هو محمد صلى الله عليه وسلم لأنه في نفسه بينة وحجة، ولذلك سماه سراجاً منيراً، وقد فسر الله سبحانه هذه البينة المجملة بقوله { رَسُولٌ مّنَ ٱللَّهِ } فاتضح الأمر، وتبين أنه المراد بالبينة.

السابقالتالي
2 3 4 5