الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

الضمير في { أنزلناه } للقرآن، وإن لم يتقدّم له ذكر. أنزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ، وكان ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم نجوماً على حسب الحاجة، وكان بين نزول أوّله وآخره على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة، وفي آية أخرىإِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } الدخان 3 وهي ليلة القدر وفي آية أخرىشَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وليلة القدر في شهر رمضان. قال مجاهد في ليلة القدر ليلة الحكم. { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } ليلة الحكم، قيل سميت ليلة القدر لأن الله سبحانه يقدّر فيها ما شاء من أمره إلى السنة القابلة. وقيل إنها سميت بذلك لعظيم قدرها وشرفها، من قولهم لفلان قدر، أي شرف ومنزلة، كذا قال الزهري. وقيل سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً، وثواباً جزيلاً. وقال الخليل سميت ليلة القدر لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة، كقولهوَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } الطلاق 7 أي ضيق. وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولاً، قد ذكرناها بأدلتها، وبينا الراجح منها في شرحنا للمنتقى. { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } هذا الاستفهام فيه تفخيم لشأنها حتى كأنها خارجة عن دراية الخلق لا يدري بها إلاّ الله سبحانه. قال سفيان كلّ ما في القرآن من قوله وما أدراك، فقد أدراه، وكلّ ما فيهوما يدريك } عبس 3، فلم يدره، وكذا قال الفراء. والمعنى أيّ شيء تجعله دارياً بها؟ وقد قدّمنا الكلام في إعراب هذه الجملة في قولهوَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 3 ثم قال { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قال كثير من المفسرين، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. واختار هذا الفراء، والزجاج، ولك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع. فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيراً من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة. وقيل أراد بقوله ألف شهر جميع الدهر لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة. وقيل وجه ذكر الألف الشهر أن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابداً حتى يعبد الله ألف شهر، وذلك ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فجعل الله سبحانه لأمة محمد عبادة ليلة خيراً من عبادة ألف شهر كانوا يعبدونها. وقيل إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى أعمار أمته قصيرة، فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر لسائر الأمم.

السابقالتالي
2 3