الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } * { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } * { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } * { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } * { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } * { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } * { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } * { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } * { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } * { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب }

قرأ الجمهور { اقرأ } بسكون الهمزة أمراً من القراءة. وقرأ عاصم في رواية عنه بفتح الراء، وكأنه قلب الهمزة ألفاً ثم حذفها للأمر. والأمر بالقراءة يقتضي مقروءاً، فالتقدير اقرأ ما يوحى إليك، أو ما نزل عليك، أو ما أمرت بقراءته، وقوله { بِٱسْمِ رَبّكَ } متعلق بمحذوف هو حال، أي اقرأ ملتبساً باسم ربك، أو مبتدئاً باسم ربك، أو مفتتحاً، ويجوز أن تكون الباء زائدة، والتقدير اقرأ اسم ربك كقول الشاعر
سود المحاجر لا يقرأن بالسور   
قاله أبو عبيدة. وقال أيضاً الاسم صلة، أي اذكر ربك. وقيل الباء بمعنى على، أي اقرأ على اسم ربك، يقال افعل كذا بسم الله، وعلى اسم الله قاله الأخفش. وقيل الباء للاستعانة، أي مستعيناً باسم ربك، ووصف الربّ بقوله { ٱلَّذِى خَلَقَ } لتذكير النعمة لأن الخلق هو أعظم النعم، وعليه يترتب سائر النعم. قال الكلبي يعني الخلائق. { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } يعني بني آدم. والعلقة الدم الجامد، وإذا جرى فهو المسفوح. وقال { من علق } بجمع علق لأن المراد بالإنسان الجنس. والمعنى خلق جنس الإنسان من جنس العلق، وإذا كان المراد بقوله { ٱلَّذِى خَلَقَ } كل المخلوقات، فيكون تخصيص الإنسان بالذكر تشريفاً له لما فيه من بديع الخلق، وعجيب الصنع، وإذا كان المراد بالذي خلق الذي خلق الإنسان فيكون الثاني تفسيراً للأول. والنكتة ما في الإبهام، ثم التفسير من التفات الذهن وتطلعه إلى معرفة ما أبهم أوّلاً، ثم فسرّ ثانياً. ثم كرر الأمر بالقراءة للتأكيد والتقرير، فقال { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأكْرَمُ } أي افعل ما أمرت به من القراءة، وجملة { وَرَبُّكَ ٱلأكْرَمُ } مستأنفة لإزاحة ما اعتذر به صلى الله عليه وسلم من قوله " ما أنا بقارىء " يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وهو أميّ. فقيل له اقرأ، وربك الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم. قال الكلبي يعني الحليم عن جهل العباد، فلم يعجل بعقوبتهم. وقيل إنه أمره بالقراءة أوّلاً لنفسه، ثم أمره بالقراءة ثانياً للتبليغ، فلا يكون من باب التأكيد، والأوّل أولى. { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أي علم الإنسان الخط بالقلم. فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب. قال الزجاج علم الإنسان الكتابة بالقلم. قال قتادة القلم نعمة من الله عزّ وجلّ عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش. فدلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده مالم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلاّ هو، وما دوّنت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأوّلين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلاّ بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين، ولا أمور الدنيا، وسمي قلماً لأنه يقلم أي يقطع.

السابقالتالي
2 3 4 5