الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

معنى شرح الصدر فتحه بإذهاب ما يصدّ عن الإدراك. والاستفهام إذا دخل على النفي قرّره، فصار المعنى قد شرحنا لك صدرك. وإنما خصّ الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم، والإدراكات. والمراد الامتنان عليه صلى الله عليه وسلم بفتح صدره، وتوسيعه حتى قام بما قال به من الدعوة، وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوّة، وحفظ الوحي، وقد مضى القول في هذا عند تفسير قولهأَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ } الزمر 22 { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } معطوف على معنى ما تقدّم، لا على لفظه، أي قد شرحنا لك صدرك، ووضعنا... الخ، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح   
أي أنتم خير من ركب المطايا، وأندى... الخ. قرأ الجمهور { نشرح } بسكون الحاء بالجزم، وقرأ أبو جعفر المنصور العباسي بفتحها. قال الزمخشري قالوا لعله بين الحاء، وأشبعها في مخرجها، فظنّ السامع أنه فتحها. وقال ابن عطية إن الأصل " ألم نشرحن " بالنون الخفيفة، ثم إبدالها ألفاً، ثم حذفها تخفيفاً، كما أنشد أبو زيد
من أي يوميَّ من الموت أفر أيوم لم يقدّر أم يوم قدر   
بفتح الراء من " لم يقدر ". ومثله قوله
اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس   
بفتح الباء من اضرب. وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو قليل جداً كقوله
يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما   
فقد تركبت هذه القراءة من ثلاثة أصول، كلها ضعيفة الأول توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو ضعيف. الثاني إبدالها ألفاً، وهو خاص بالوقف، فإجراء الوصل مجرى الوقف ضعيف. والثالث حذف الألف، وهو ضعيف أيضاً لأنه خلاف الأصل، وخرّجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بـ " لم " ويجزمون بـ " لن " ، ومنه قول الشاعر
في كل ما همّ أمضى رأيه قدما ولم يشاور في إقدامه أحدا   
بنصب الراء من " يشاور " ، وهذه اللغة لبعض العرب ما أظنها تصح. وإن صحت، فليست من اللغات المعتبرة، فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها. وعلى كل حال، فقراءة هذا الرجل مع شدّة جوره، ومزيد ظلمه، وكثرة جبروته، وقلة علمه ليس بحقيقة بالاشتغال بها. والوزر الذنب، أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية. قال الحسن، وقتادة، والضحاك، ومقاتل المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية، وهذا كقولهلّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 ثم وصف هذا الوزر فقال { ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ }.

السابقالتالي
2 3 4