الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلضُّحَىٰ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } * { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } * { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } * { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } * { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } * { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } * { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } * { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } * { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

والمراد بالضحى هنا النهار كله، لقوله { وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } فلما قابل الضحى بالليل دلّ على أن المراد به النهار كله لا بعضه. وهو في الأصل اسم لوقت ارتفاع الشمس، كما تقدّم في قولهوَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } الشمس 1. والظاهر أن المراد به الضحى من غير تعيين. وقال قتادة، ومقاتل، وجعفر الصادق إن المراد به الضحى الذي كلم الله فيه موسى، والمراد بقوله { وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } ليلة المعراج. وقيل المراد بالضحى هو الساعة التي خرّ فيها السحرة سجداً، كما في قولهوَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } طه 59. وقيل المقسم به مضاف مقدّر، كما تقدّم في نظائره، أي وربّ الضحى. وقيل تقديره وضحاوة الضحى، ولا وجه لهذا، فللّه سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه. وقيل الضحى نور الجنة، والليل ظلمة النار. وقيل الضحى نور قلوب العارفين، والليل سواد قلوب الكافرين. { وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } أي سكن، كذا قال قتادة، ومجاهد، وابن زيد، وعكرمة، وغيرهم يقال ليلة ساجية، أي ساكنة، ويقال للعين إذا سكن طرفها ساجية، يقال سجا الشيء يسجو سجواً إذا سكن. قال عطاء سجا إذا غطي بالظلمة. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي سجا امتدّ ظلامه. وقال الأصمعي سجو الليل تغطيته النهار، مثل ما يسجى الرجل بالثوب. وقال الحسن غشي بظلامه. وقال سعيد بن جبير أقبل. وقال مجاهد أيضاً استوى، والأوّل أولى، وعليه جمهور المفسرين وأهل اللغة. ومعنى سكونه استقرار ظلامه واستواؤه، فلا يزاد بعد ذلك. { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } هذا جواب القسم، أي ما قطعك قطع المودّع. قرأ الجمهور { ما ودّعك } بتشديد الدال من التوديع، وهو توديع المفارق. وقرأ ابن عباس، وعروة بن الزبير، وابنه هاشم، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة بتخفيفها، من قولهم ودعه أي تركه، ومنه قول الشاعر
سل أميري ما الذي غيره عن وصالي اليوم حتى ودّعه   
والتوديع أبلغ في الودع لأن من ودّعك مفارقاً، فقد بالغ في تركك. قال المبرد لا يكادون يقولون ودع ولا وذر لضعف الواو إذا قدّمت، واستغنوا عنها بترك. قال أبو عبيدة ودّعك من التوديع، كما يودّع المفارق. وقال الزجاج لم يقطع الوحي، وقد قدّمنا سبب نزول هذه الآية في فاتحة هذه السورة. { وَمَا قَلَىٰ } القلي البغض. يقال قلاه يقليه قلاء. قال الزجاج وما أبغضك، وقال { وما قلى } ، ولم يقل، وما قلاك لموافقة رؤوس الآي. والمعنى وما أبغضك، ومنه قول امرىء القيس
ولست بمقليّ الخلال ولا قالي   
{ وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلاْولَىٰ } اللام جواب قسم محذوف، أي الجنة خير لك من الدنيا، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي في الدنيا من شرف النبوّة ما يصغر عنده كلّ شرف، ويتضاءل بالنسبة إليه كلّ مكرمة في الدنيا ولكنها لما كانت الدنيا بأسرها مشوبة بالأكدار منغصة بالعوارض البشرية، وكانت الحياة فيها كأحلام نائم، أو كظل زائل لم تكن بالنسبة إلى الآخرة شيئًا ولما كانت طريقاً إلى الآخرة، وسبباً لنيل ما أعدّه الله لعباده الصالحين من الخير العظيم بما يفعلونه فيها من الأعمال الموجبة للفوز بالجنة كان فيها خير في الجملة من هذه الحيثية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6