الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } * { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } * { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } * { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } * { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } * { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ } * { وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } * { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } * { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

قوله { لاَ أُقْسِمُ } " لا " زائدة، والمعنى أقسم { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ }. وقد تقدّم الكلام على هذا في تفسيرلاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } القيامة 1 ومن زيادة «لا» في الكلام في غير القسم قول الشاعر
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتصدّع   
أي يتصدّع. ومن ذلك قولهمَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدُ } الأعراف 12، أي أن تسجد. قال الواحدي أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة. قرأ الجمهور { لا أقسم } وقرأ الحسن، والأعمش لأقسم من غير ألف. وقيل هو نفي للقسم. والمعنى لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه. وقال مجاهد إن " لا " رد على من أنكر البعث، ثم ابتدأ، فقال أقسم، والمعنى ليس الأمر كما تحسبون، والأوّل أولى. والمعنى أقسم بالبلد الحرام الذي أنت حلّ فيه. وقال الواسطي إن المراد بالبلد المدينة، وهو مع كونه خلاف إجماع المفسرين هو أيضاً مدفوع لكون السورة مكية لا مدنية. وجملة قوله { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } معترضة. والمعنى أقسم بهذا البلد { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى كَبَدٍ } واعترض بينهما بهذه الجملة. والمعنى ومن المكابد أن مثلك عليّ عظيم حرمته يستحل بهذا البلد، كما يستحلّ الصيد في غير الحرم. وقال الواحدي الحلّ والحلال والمحل واحد، وهو ضدّ المحرّم، أحلّ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى قاتل، وقد قال صلى الله عليه وسلم " لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار " قال والمعنى أن الله لما ذكر القسم بمكة دلّ ذلك على عظم قدرها مع كونها حراماً، فوعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحلها له حتى يقاتل فيها ويفتحها على يده، فهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها حلاً. انتهى. فالمعنى وأنت حلّ بهذا البلد في المستقبل، كما في قولهإِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } الزمر 30 قال مجاهد المعنى ما صنعت فيه من شيء فأنت حلّ. قال قتادة أنت حلّ به لست بآثم، يعني أنك غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه، لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر والمعاصي. وقيل المعنى لا أقسم بهذا البلد وأنت حالّ به، ومقيم فيه، وهو محلك، فعلى القول بأن لا نافية غير زائدة، يكون المعنى لا أقسم به وأنت حالّ به، فأنت أحقّ بالإقسام بك، وعلى القول بأنها زائدة يكون المعنى أقسم بهذا البلد الذي أنت مقيم به تشريفاً لك وتعظيماً لقدرك لأنه قد صار بإقامتك فيه عظيماً شريفاً، وزاد على ما كان عليه من الشرف والعظم، ولكن هذا إذا تقرّر في لغة العرب أن لفظ حلّ يجيء بمعنى حالّ، وكما يجوز أن تكون الجملة معترضة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7