الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } إخبار من الله سبحانه عن المنافقين المعتذرين بالباطل، بأنهم يعتذرون إلى المؤمنين إذا رجعوا من الغزو، وهذا كلام مستأنف، وإنما قال { إِلَيْهِمُ } أي إلى المعتذرين بالباطل، ولم يقل إلى المدينة لأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة، وربما يقع الاعتذار عند الملاقاة قبل الوصول إليها. ثم أخبر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بما يجيب به عليهم، فقال { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } فنهاهم أوّلا عن الاعتذار بالباطل، ثم علله بقوله { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } أي لن نصدقكم، كأنهم ادّعوا أنهم صادقون في اعتذارهم، لأن غرض المعتذر أن يصدّق فيما يعتذر به، فإذا عرف أنه لا يصدّق ترك الاعتذار، وجملة { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } تعليلية للتي قبلها أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم، وإنما خصّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالجواب عليهم، فقال { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين، لأنه صلى الله عليه وسلم رأسهم، والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير، ويحتمل أن يكون المراد بالضمير في قوله { إِلَيْكُمْ } هو الرسول صلى الله عليه وسلم على التأويل المشهور في مثل هذا. قوله { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ } أي ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشرّ أم تبقون عليه؟. وقوله { وَرَسُولُهُ } معطوف على الاسم الشريف، ووسط مفعول الرؤية إيذانا، بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شرّ هي التي يدور عليها الإثابة أو العقوبة، وفي جملة { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ } إلى آخرها تخويف شديد، لما هي مشتملة عليه من التهديد، ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر، لإشعار ذلك بإحاطته بكل شيء يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به، وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه. ثم ذكر أن هؤلاءالمعتذرين بالباطل سيؤكدون ما جاءوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين إليهم من الغزو، وغرضهم من هذا التأكيد هو أن يعرض المؤمنون عنهم، فلا يوبخونهم ولا يؤاخذونهم بالتخلف، ويظهرون الرضا عنهم، كما يفيده ذكر الرضا من بعد، وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدلّ عليه، وهو اعتذارهم الباطل، وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به تركهم والمهاجرة لهم. لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم، كما تفيده جملة { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } الواقعة علة للأمر بالإعراض. والمعنى أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة، فكأنها قد صيرت ذواتهم رجساً، أو أنهم ذوو رجس أي ذوو أعمال قبيحة، ومثله

السابقالتالي
2 3 4