الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

لما ذكر سبحانه المعذرين، ذكر بعدهم أهل الأعذار الصحيحة المسقطة للغزو، وبدأ بالعذر في أصل الخلقة. فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء } وهم أرباب الزمانة، والهرم، والعمى، والعرج، ونحو ذلك، ثم ذكر العذر العارض، فقال { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } والمراد بالمرضى كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعاً. وقيل إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما. ثم ذكر العذر الراجع إلى المال، لا إلى البدن فقال { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد، فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج، وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم، مقيداً بقوله { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وأصل النصح إخلاص العمل من الغش، ومنه التوبة النصوح. قال نفطويه نصح الشيء إذا خلص، ونصح له القول، أي أخلصه له. والنصح لله الإيمان به، والعمل بشريعته. وترك ما يخالفها كائناً ما كان، ويدخل تحته دخولاً أوّلياً نصح عباده. ومحبة المجاهدين في سبيله، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد. وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه ونصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم التصديق بنبوته وبما جاء به، وطاعته في كل ما يأمر به، أو ينهي عنه، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، ومحبته وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة. وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة " ثلاثاً، قالوا لمن؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وجملة { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } مقرّرة لمضمون ما سبق أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل أي طريق عقاب ومؤاخذة. و " من " مزيدة للتأكيد، وعلى هذا فيكون لفظ { ٱلْمُحْسِنِينَ } موضوعاً في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقاً. أو يكون المراد ما على جنس المحسنين من سبيل، وهؤلاء المذكورون سابقاً من جملتهم، فتكون الجملة تعليلية. وجملة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييلية. وفي معنى هذه الآية قوله تعالىلاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } البقرة 286، وقولهلَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } النور 61. وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين، لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذي عذرهم الله عنه، مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه، ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد، وأصله في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد تركتم بعدكم قوماً ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه "

السابقالتالي
2 3 4