الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

أخبر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن صدور الاستغفار منه للمنافقين وعدمه سواء، وذلك لأنهم ليسوا بأهل لاستغفاره صلى الله عليه وسلم، ولا للمغفرة من الله سبحانه لهم، فهو كقوله تعالىقُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } التوبة 53، ثم قال { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } وفيه بيان لعدم المغفرة من الله سبحانه للمنافقين، وإن أكثر النبي من الاستغفار لهم، وليس المراد من هذا أنه لو زاد على السبعين لكان ذلك مقبولاً، كما في سائر مفاهيم الأعداد، بل المراد بهذا المبالغة في عدم القبول. فقد كانت العرب تجري ذلك مجرى المثل في كلامها عند إرادة التكثير، والمعنى أنه لن يغفر الله لهم وإن استغفرت لهم استغفاراً بالغاً في الكثرة، غاية المبالغ، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التقييد بهذا العدد المخصوص يفيد قبول الزيادة عليه، ويدل لذلك ما سيأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لأزيدنّ على السبعين " وذكر بعضهم لتخصيص السبعين وجهاً فقال إن السبعة عدد شريف لأنها عدد السموات، والأرضين، والبحار، والأقاليم، والنجوم السيارة، والأعضاء، وأيام الأسبوع، فصير كل واحد من السبعة إلى عشرة لأن الحسنة بعشر أمثالها. وقيل خصت السبعون بالذكر لأنه صلى الله عليه وسلم كبر على عمه الحمزة سبعين تكبيرة، فكأنه قال إن تستغفر لهم سبعين مرة بإذاء تكبيراتك على حمزة. وانتصاب { سبعين } على المصدر كقولهم ضربته عشرين ضربة. ثم علل عدم المغفرة لهم بقوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي ذلك الامتناع بسبب كفرهم بالله ورسوله { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } أي المتمرّدين الخارجين عن الطاعة المتجاوزين لحدودها، والمراد هنا الهداية الموصلة إلى المطلوب، لا الهداية التي بمعنى الدلالة وإراءة الطريق. ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من قبائح المنافقين، فقال { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } المخلفون المتروكون، وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين، فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك، أو الذين خلفهم الله وثبطهم، أو الشيطان، أو كسلهم، أو المؤمنون، ومعنى { بِمَقْعَدِهِمْ } أي بقعودهم يقال قعد قعوداً ومقعداً أي جلس، وأقعده غيره، ذكر معناه الجوهري فهو متعلق بفرح أي فرح المخلفون بقعودهم، وخلاف رسول الله منتصب على أنه ظرف لمقعدهم. قال الأخفش ويونس الخلاف بمعنى الخلف أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن جهة الإمام التي يقصدها الإنسان تخالفها جهة الخلف. وقال قطرب والزجاج معنى خلاف رسول الله مخالفة الرسول حين سار وأقاموا، فانتصابه على أنه مفعول له أي قعدوا لأجل المخالفة، أو على الحال مثل وأرسلها العراك أي مخالفين له، ويؤيد ما قاله الأخفش ويونس قراءة أبي حيوة " خلف رسول الله ".

السابقالتالي
2 3 4