الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده، وجهاد الكفار يكون بمقاتلتهم حتى يسلموا. وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم، حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا بالله، وقال الحسن إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم، واختاره قتادة. قيل في توجيهه إن المنافقين كانوا أكثر من يفعل موجبات الحدود. قال ابن العربي إن هذه دعوى لا برهان عليها، وليس العاصي بمنافق، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق دائماً، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهراً، وأخبار المحدودين تشهد بسياقتها أنهم لم يكونوا منافقين. قوله { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } الغلظ نقيض الرأفة، وهو شدّة القلب وخشونة الجانب، قيل وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصلح والصفح، ثم ذكر من خصال المنافقين أنهم يحلفون الأيمان الكاذبة، فقال { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ }. وقد اختلف أئمة التفسير في سبب نزول هذه الآية، فقيل نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، ووديعة بن ثابت، وذلك أنه كثر نزول القرآن في غزوة تبوك في شأن المنافقين وذمهم، فقالا لئن كان محمد صادقاً على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شرّ من الحمير، فقال له عامر بن قيس أجل، والله إن محمداً لصادق مصدّق، وإنك لشرّ من الحمار، وأخبر عامر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء الجلاس فحلف بالله أن عامراً لكاذب، وحلف عامر لقد قال، وقال اللهم أنزل على نبيك شيئاً فنزلت، وقيل إن الذي سمع ذلك عاصم بن عدي، وقي حذيفة، وقيل بل سمعه ولد امرأته أي امرأة الجلاس، واسمه عمير بن سعد، فهم الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره. وقيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين لما قال ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل «سمن كلبك يأكلك»، ولَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } المنافقون 8 فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فجاء عبد الله بن أبيّ، فحلف أنه لم يقله. وقيل إنه قول جميع المنافقين، وأن الآية نزلت فيهم، وعلى تقدير أن القائل واحد أو اثنان فنسبة القول إلى جميعهم هي باعتبار موافقة من لم يقل، ولم يحلف من المنافقين لمن قد قال وحلف. ثم ردّ الله على المنافقين وكذبهم وبين أنهم حلفوا كذباً، فقال { وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } وهي ما تقدّم بيانه على اختلاف الأقوال السابقة { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم للإسلام، وإن كانوا كفاراً في الباطن. والمعنى أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم. قوله { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } قيل هو همهم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة في غزوة تبوك.

السابقالتالي
2 3