الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

قوله { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي قلوبهم متحدة في التوادد، والتحبابب، والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله، ثم بيّن أوصافهم الحميدة كما بيّن أوصاف من قبلهم من المنافقين فقال { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بما هو معروف في الشرع غير منكر، ومن ذلك توحيد الله سبحانه وترك عبادة غيره { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي عما هو منكر في الدين غير معروف، وخصص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر من جملة العبادات لكونهما الركنين العظيمين فيما يتعلق بالأبدان والأموال، وقد تقدّم معنى هذا. { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ } في صنع ما أمرهم بفعله أو نهاهم عن تركه، والإشارة بـ { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المؤمنين والمؤمنات المتصفين بهذه الأوصاف، والسين في { سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } للمبالغة في إنجاز الوعد { أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يغالب { حَكِيمٌ } في أقواله وأفعاله. ثم ذكر تفصيل ما يدخل تحت الرحمة إجمالاً باعتبار الرحمة في الدار الآخرة، فقال { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } والإظهار في موقع الإضمار لزيادة التقرير ومعنى جري الأنهار من تحت الجنات أنها تجري تحت أشجارها وغرفها، وقد تقدّم تحقيقه في البقرة { وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً } أي منازل يسكنون فيها من الدرّ والياقوت، و { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } يقال عدن بالمكان إذا أقام به، ومنه المعدن. قيل هي أعلى الجنة. وقيل أوسطها، وقيل قصور من ذهب لا يدخلها إلا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيد. وصف الجنة بأوصاف، الأوّل جري الأنهار من تحتها، والثاني أنهم فيها خالدون، والثالث طيب مساكنها، والرابع أنها دار عدن أي إقامة غير منقطعة، هذا على ما هو معنى عدن لغة. وقيل هو علم، والتنكير في { رضوان } للتحقير، أي { ورضوان } حقير يستر " من " رضوان { ٱللَّهِ أَكْبَرُ } من ذلك كله الذي أعطاهم الله إياه، وفيه دليل على أنه لا شيء من النعم، وإن جلت وعظمت، يماثل رضوان الله سبحانه، وأن أدنى رضوان منه لا يساويه شيء من اللذات الجسمانية، وإن كانت على غاية ليس وراءها غاية، اللهم ارض عنا، رضا لا يشوبه سخط، ولا يكدّره نكد، يا من بيده الخير كله دقه وجله، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم مما وعد الله به المؤمنين والمؤمنات { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } دون كل فوز مما يعدّه الناس فوزاً. وقد أخرج أبو الشيخ، عن الضحاك، في قوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله، والنفقات في سبيل الله، وما كان من طاعة الله { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } عن الشرك والكفر قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين.

السابقالتالي
2