الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } * { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ } هذا ذكر نوع آخر قبائحهم، يقال لمزه يلمزه إذا عابه. قال الجوهري اللمز العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، وقد لمزه يلمزه ويلمزه، ورجل لماز، ولمزة أي عياب. قال الزجاج لمزت الرجل ألِمزه وأُلمزه، بكسر الميم وضمها إذا عبته، وكذا همزته. ومعنى الآية ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات، أي في تفريقها وقسمتها. وروى عن مجاهد أنه قال معنى { يَلْمِزُكَ } يرزؤك ويسألك، والقول عند أهل اللغة هو الأوّل، كما قال النحاس. وقرىء " يلمزك " بضم الميم، و " يلمزك " بكسرها مع التشديد. وقرأ الجمهور بكسرها مخففة { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا } أي من الصدقات بقدر ما يريدون { رَضُواْ } بما وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعيبوه، وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا، وليسوا من الدين في شيء { وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا } أي من الصدقات ما يريدونه ويطلبونه { إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أي وإن لم يعطوا فاجئوا السخط، وفائدة إذا الفجائية أن الشرط مفاجىء للجزاء وهاجم عليه. وقد نابت إذا الفجائية مناب فاء الجزاء. { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } أي ما فرضه الله لهم وما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات، وجوب " لو " محذوف أي لكان خيراً لهم، فإن فيما أعطاهم الخير العاجل والآجل { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } أي قالوا هذه المقالة عند أن أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو لهم أي كفانا الله، سيعطينا من فضله، ويعطينا رسوله بعد هذا ما نرجوه ونؤمله { إِنَّا إِلَى ٱللَّهِ رٰغِبُونَ } في أن يعطينا من فضله ما نرجوه. قوله { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاء } لما لمز المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الصدقات بيّن الله لهم مصرفها دفعاً لطعنهم، وقطعاً لشغبهم، و { إِنَّمَا } من صيغ القصر، وتعريف الصدقات للجنس أي جنس هذه الصدقات مقصور على هذه الأصناف المذكورة لا يتجاوزها، بل هي لهم لا لغيرهم. وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية، أو يجوز صرفها إلى البعض دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة؟ فذهب إلى الأوّل الشافعي وجماعة من أهل العلم، وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة، وبه قال عمر، وحذيفة، وابن عباس، وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران. قال ابن جرير وهو قول عامة أهل العلم احتج الأوّلون بما في الآية من القصر، وبحديث زياد بن الحرث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة، فقال له

السابقالتالي
2 3 4 5 6