الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ }

قوله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ عَبْدُ ٱللَّهِ } كلام مبتدأ لبيان شرك أهل الكتابين، و { عزير } مبتدأ و { ابن الله } خبره، وقد قرأ عاصم والكسائي { عزير } بالتنوين، وقرأ الباقون بترك التنوين لاجتماع العجمة والعلمية فيه. ومن قرأ بالتنوين فقد جعله عربياً وقيل إن سقوط التنوين ليس لكونه ممتنعاً بل لاجتماع الساكنين، ومنه قراءة من قرأقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الإخلاص 1، 2. قال أبو عليّ الفارسي وهو كثير في الشعر، وأنشد ابن جرير الطبري
لتجديني بالأمير برّا وبالقناة لامرا مكرّاً إذا غطيت السلمى فرّاً   
وظاهر قوله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } أن هذه المقالة لجميعهم. وقيل هو لفظ خرج على العموم، ومعناه الخصوص لأنه لم يقل ذلك إلا البعض منهم. وقال النقاش لم يبق يهودي يقولها؟ بل قد انقرضوا. وقيل إنه قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم، فنزلت الآية متضمنة لحكاية ذلك عن اليهود لأن قول بعضهم لازم لجميعهم. قوله { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } قالوا هذا لما رأوا من إحيائه الموتى مع كونه من غير أب، فكان ذلك سبباً لهذه المقالة، والأولى أن يقال إنهم قالوا هذه المقالة لكون في الإنجيل وصفه تارة بابن الله وتارة بابن الإنسان، كما رأينا ذلك في مواضع متعددة من الإنجيل، ولم يفهموا أن ذلك لقصد التشريف والتكريم، أو لم يظهر لهم أن ذلك من تحريف سلفهم لغرض من الأغراض الفاسدة. قيل وهذه المقالة إنما هي لبعض النصارى لا لكلهم. قوله { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوٰهِهِمْ } الإشارة إلى ما صدر عنهم من هذه المقالة الباطلة. ووجه قوله بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا الفم. بأن هذا القول لما كان ساذجاً ليس فيه بيان، ولا عضده برهان، كان مجرّد دعوى، لا معنى تحتها فارغة صادرة عنهم صدور المهملات التي ليس فيها إلا كونها خارجة من الأفواه، غير مفيدة لفائدة يعتدّ بها. وقيل إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد، كما في كتبت بيدي ومشيت برجلي، ومنه قوله تعالىيَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ بِأَيْدِيهِمْ } البقرة 79. وقولهوَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام 38. وقال بعض أهل العلم إن الله سبحانه لم يذكر قولاً مقروناً بذكر الأفواه والألسن، إلا وكان قولاً زوراً كقولهيَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } آل عمران 167، وقولهكَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } الكهف 5، وقولهيَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } الفتح 11. قوله { يُضَـٰهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } المضاهاة المشابهة، قيل ومنه قول العرب امرأة ضهياء، وهي التي لا تحيض لأنها شابهت الرجال. قال أبو عليّ الفارسي من قال { يُضَـٰهِئُونَ } مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء فقوله خطأ لأن الهمزة في ضاهأ أصلية، وفي ضهياء زائدة كحمراء، وأصله يضاهئون وامرأة ضهياء.

السابقالتالي
2 3 4 5