الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

النجس مصدر لا يثنى ولا يجمع، يقال رجل نجس، وامرأة نجس، ورجلان نجس، وامرأتان نجس، ورجال نجس، ونساء نجس. ويقال نجس ونجس بكسر الجيم وضمها. ويقال نجْس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من المحرك. قيل لا تستعمل إلا إذا قيل معه رجس وقيل ذلك أكثريّ لا كليّ. و { المشركون } مبتدأ، وخبره المصدر، مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة، أؤ على تقدير مضاف أي ذوو نجس لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس. وقال قتادة ومعمر وغيرهما إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون، ولا يغتسلون، ولا يتجنبون النجاسات. وقد استدل بالآية من قال بأن المشرك نجس الذات، كما ذهب إليه بعض الظاهرية والزيدية. وروي عن الحسن البصري، وهو محكيّ عن ابن عباس. وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم، وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله، وقوله، ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم، فأكل في آنيتهم، وشرب منها، وتوضأ فيها، وأنزلهم في مسجده. قوله { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } الفاء للتفريع، فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرّع على نجاستهم. والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، روي ذلك عن عطاء، فيمنعون عنده من جميع الحرم، وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه، فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم. وقد اختلف أهل العلم في دخول المشرك غير المسجد الحرام من المساجد فذهب أهل المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد. وقال الشافعي الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام، فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد. قال ابن العربي وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة، ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه صلى الله عليه وسلم لثمامة بن أثال في مسجده، وإنزال وفد ثقيف فيه. وروي عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي، وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة، وقيده الشافعي بالحاجة. وقال قتادة إنه يجوز ذلك للذميّ دون المشرك. وروى عن أبي حنيفة أيضاً أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد، ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهي المسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك، فهو من باب قولهم لا أرينك هاهنا. قوله { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } فيه قولان أحدهما أنه سنة تسع، وهي التي حج فيها أبو بكر على الموسم. الثاني أنه سنة عشر قاله قتادة، قال ابن العربي وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ، ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع، وهو العام الذي وقع فيه الأذان، ولو دخل غلام رجل داره يوماً فقال له مولاه لا تدخل هذه الدار بعد يومك، لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه.

السابقالتالي
2 3 4