الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } * { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } * { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله { وَإِن نَّكَثُواْ } معطوف على { فإن تابوا } والنكث النقض، وأصله نقض الخيط بعد إبرامه، ثم استعمل في كل نقض، ومنه نقض الإيمان والعهود على طريق الاستعارة. ومعنى { مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } أي من بعد أن عاهدوكم. والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التي عاهدوا بها المسلمين، ووثقوا بها وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام، والقدح فيه، فقد وجب على المسلمين قتالهم. وأئمة الكفر جمع إمام، والمراد صناديد المشركين، وأهل الرئاسة فيهم على العموم. وقرأ حمزة " أإمة " ، وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن، لأن فيه الجمع بين همزين في كلمة واحدة. وقرأ الجمهور بجعل الهمزة الثانية بين بين، أي بين مخرج الهمزة والياء. وقرىء بإخلاص الياء وهو لحن، كما قال الزمخشري. قوله { إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ } هذه الجملة تعليل لما قبلها، والإيمان جمع يمين في قراءة الجمهور. وقرأ ابن عامر «لا إيمان لهم» بكسر الهمزة. والمعنى على قراءة الجمهور أن إيمان الكافرين وإن كانت في الصورة يميناً، فهي في الحقيقة ليست بيمين. وعلى القراءة الثانية أن هؤلاء الناكثين للإيمان الطاعنين في الدين، ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم، فقتالهم واجب على المسلمين. قوله { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أي عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام. والمعنى أن قتالهم يكون إلى الغاية هي الانتهاء عن ذلك. وقد استدلّ بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد، كما قال أبو حنيفة، لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما نقض العهد، والثاني الطعن في الدين. وذهب مالك والشافعي وغيرهما، إلى أنه إذا طعن في الدين قتل، لأنه ينتقض عهده بذلك، قالوا وكذلك إذا حصل من الذميّ مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين، فإنه يقتل. قوله { أَلاَ تُقَـٰتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُمْ } الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي، مع ما يستفاد منها من التحضيض على القتال والمبالغة في تحققه، والمعنى أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد وإخراج الرسول من مكة والبداءة بالقتال، فهو حقيق بأن لا يترك قتاله، وأن يوبخ من فرط في ذلك، ثم زاد في التوبيخ فقال { أَتَخْشَوْنَهُمْ } فإن هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي تخشون أن ينالهم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية، ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه، فقال { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ } أي هو أحق بالخشية منكم، فإنه الضارّ النافع بالحقيقة، ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله، فإن قضية الإيمان توجب ذلك عليكم، ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال { قَـٰتِلُوهُمْ } ورتب على هذا الأمر فوائد الأولى تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر.

السابقالتالي
2 3 4