الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } * { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ } حكاية منه سبحانه لقية فضائح المنافقين، أي إذا ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة من كتابه العزيز، فمن المنافقين { مَن يِقُولُ } لإخوانه منهم { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ } السورة النازلة { إِيمَـٰناً } يقولون هذا استهزاء بالمؤمنين، ويجوز أن يقولوه لجماعة من المسلمين قاصدين بذلك صرفهم عن الإسلام وزهيدهم فيه، و { أيكم } مرفوع بالابتداء وخبره زادته. وقد تقدّم بيان معنى السورة. ثم حكى الله سبحانه بعد مقالتهم هذه أن المؤمنين زادتهم إيماناً إلى إيمانهم، والحال أنهم يستبشرون مع هذه الزيادة بنزول الوحي، وما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } وهم المنافقون { فَزَادَتْهُمْ } السورة المنزلة { رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } أي خبثاً إلى خبثهم الذين هم عليه من الكفر وفساد الاعتقاد، وإظهار غير ما يضمرونه، وثبتوا على ذلك واستمروا عليه إلى أن ماتوا كفاراً منافقين، والمراد بالمرض هنا الشك والنفاق وقيل المعنى زادتهم إثماً إلى إثمهم. قوله { أَوْ لاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } قرأ الجمهور { يرون } بالتحتية. وقرأ حمزة ويعقوب بالفوقية خطاباً للمؤمنين. وقرأ الأعمش «أو لم يروا». وقرأ طلحة بن مصرف «أو لا ترى» خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قراءة ابن مسعود. ومعنى { يُفْتَنُونَ } يختبرون، قاله ابن جرير، وغيره، أو يبتليهم الله سبحانه بالقحط والشدّة، قاله مجاهد. وقال ابن عطية بالأمراض والأوجاع. وقال قتادة، والحسن، بالغزو والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويرون ما وعد الله من النصر { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ } بسبب ذلك { وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } و " ثم " لعطف ما بعدها على يرون، والهمزة في أو لا يرون للإنكار والتوبيخ، والواو للعطف على مقدّر، أي لا ينظرون ولا يرون، وهذا تعجيب من الله سبحانه للمؤمنين من حال المنافقين وتصلبهم في النفاق، وإهمالهم للنظر والاعتبار. ثم ذكر الله سبحانه ما كانوا يفعلونه عند نزول السورة بعد ذكره لما كانوا يقولونه، فقال { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي نظر بعض المنافقين إلى البعض الآخر قائلين { هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ } من المؤمنين، لننصرف عن المقام الذي ينزل فيه الوحي، فإنه لا صبر لنا على استماعه، ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك. وقيل المعنى وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم، قال بعض من يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم للبعض الآخر منهم هل يراكم من أحد؟ ثم انصرفوا إلى منازلهم. وحكى ابن جرير، عن بعض أهل العلم، أنه قال { نَظَرَ } في هذه الآية موضوع موضع قال أي قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد؟ قوله { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } أي عن ذلك المجلس إلى منازلهم، أو عن ما يتقضي الهداية والإيمان إلى ما يقتضى الكفر والنفاق، ثم دعا الله سبحانه عليهم، فقال { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } أي صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية، وهو سبحانه مصرّف القلوب ومقلبها.

السابقالتالي
2 3 4 5