الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } * { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

لما ذكر سبحانه أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة. وأن منهم التابعين لهم. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ " والأنصار " بالرفع على { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } وقرأ سائر القراء من الصحابة فمن بعدهم بالجرّ. قال الأخفش الخفض في الأنصار الوجه لأن السابقين منهم يدخلون في قوله { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } وفي الآية تفضيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان. وهي بيعة الحديبية في قول الشعبي، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب، وعطاء بن يسار، ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها، قال أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون، ثم البدريون ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. قوله { وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " الذين اتبعوهم " محذوف الواو وصفاً للأنصار على قراءته برفع الأنصار، فراجعه في ذلك زيد بن ثابت، فسأل أبي بن كعب فصدّق زيداً، فرجع عمر عن القراءة المذكورة كما رواه أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، ومعنى { الذين اتبعوهم بإحسان } الذين اتبعوا السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة، وليس المراد بهم التابعين اصطلاحاً، وهم كل من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم من جملة من يدخل تحت الآية، فتكون " من " في قوله { مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ } على هذا للتبعيض، وقيل إنها للبيان، فيتناول المدح جميع الصحابة، ويكون المراد بالتابعين من بعدهم من الأمة إلى يوم القيامة. وقوله { بِإِحْسَـٰنٍ } قيد للتابعين أي والذين اتبعوهم متلبسين بإحسان في الأفعال والأقوال اقتداء منهم بالسابقين الأوّلين. قوله { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } خبر للمبتدأ وما عطف عليه، ومعنى رضاه سبحانه عنهم أنه قبل طاعاتهم وتجاوز عنهم، ولم يسخط عليهم { وَرَضُواْ عَنْهُ } بما أعطاهم من فضله، ومع رضاه عنهم فقد { أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } في الدار الآخرة. وقرأ ابن كثير " تجري من تحتها الأنهار " بزيادة " من ". وقرأ الباقون بحذفها والنصب على الظرفية، وقد تقدّم تفسير جري الأنهار من تحت الجنات، وتفسير الخلود والفوز. قوله { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَـٰفِقُونَ } هذا عود إلى شرح أحوال المنافقين من أهل المدينة، ومن يقرب منها من الأعراب. { وممن حولكم } خبر مقدّم، و { من الأعراب } بيان، وهو في محل نصب على الحال، { ومنافقون } هو المبتدأ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7