الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } * { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } * { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

لما ذكر سبحانه أنه بالمرصاد ذكر ما يدلّ على اختلاف أحوال عباده عند إصابة الخير، وعند إصابة الشرّ، وأن مطمح أنظارهم، ومعظم مقاصدهم هو الدنيا فقال { فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلـٰهُ رَبُّهُ } أي امتحنه، واختبره بالنعم { فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ } أي أكرمه بالمال، ووسع عليه رزقه { فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } فرحاً بما نال، وسروراً بما أعطي، غير شاكر لله على ذلك، ولا خاطر بباله أن ذلك امتحان له من ربه، واختبار لحاله وكشف لما يشتمل عليه من الصبر والجزع، والشكر للنعمة وكفرانها، و «ما» في قوله { إِذَا مَا } زائدة. وقوله { فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ } تفسير للابتلاء. ومعنى { أَكْرَمَنِ } أي فضلني بما أعطاني من المال، وأسبغه عليّ من النعم لمزيد استحقاقي لذلك، وكوني موضعاً له، والإنسان مبتدأ وخبره { فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } ودخلت الفاء فيه لتضمن أما معنى الشرط، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر، وإن تقدّم لفظاً فهو مؤخر في المعنى، أي فأما الإنسان فيقول ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام. قال الكلبي الإنسان هو الكافر أبيّ بن خلف. وقال مقاتل نزلت في أمية بن خلف. وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة، وأبي حذيفة بن المغيرة. { وَأَمَّا إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ } أي اختبره، وعامله معاملة من يختبره { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } أي ضيقه، ولم يوسعه له، ولا بسط له فيه. { فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ } أي أولاني هواناً، وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث لأنه لا كرامة عنده إلاّ الدنيا والتوسع في متاعها، ولا إهانة عنده إلاّ فوتها، وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها، فأما المؤمن، فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته، ويوفقه لعمل الآخرة، ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير، وما أصيب به من الشرّ في الدنيا ليس إلاّ للاختبار والامتحان، وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. قرأ نافع بإثبات الياء في { أكرمن } و { أهانن } وصلاً وحذفهما وقفاً، وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه، وابن محيصن، ويعقوب بإثباتهما وصلاً، ووقفاً، وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل، والوقف اتباعاً لرسم المصحف، ولموافقة رؤوس الآي، والأصل إثباتها لأنها اسم، ومن الحذف قول الشاعر
ومن كاشح ظاهر غمره إذا ما انتصبت له أنكرن   
أي أنكرني. وقرأ الجمهور { فقدر } بالتخفيف، وقرأ ابن عامر بالتشديد، وهما لغتان. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو " ربي " بفتح الياء في الموضعين، وأسكنها الباقون. وقوله { كَلاَّ } ردع للإنسان القائل في الحالتين ما قال وزجر له، فإن الله سبحانه قد يوسع الرزق، ويبسط النعم للإنسان لا لكرامته، ويضيقه عليه لا لإهانته، بل للاختبار والامتحان، كما تقدّم.

السابقالتالي
2 3 4 5