الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } * { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } * { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } * { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } * { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

قوله { كَلاَّ } للردع، والزجر عما كانوا عليه، والتكرير للتأكيد، وجملة { إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلأَبْرَارِ لَفِى عِلّيّينَ } مستأنفة لبيان ما تضمنته، ويجوز أن يكون كلا بمعنى حقاً، والأبرار هم المطيعون، وكتابهم صحائف حسناتهم. قال الفراء عليين ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له، ووجه هذا أنه منقول من جمع عليّ من العلوّ. قال الزجاج هو إعلاء الأمكنة. قال الفراء والزجاج فأعرب كإعراب الجمع لأنه على لفظ الجمع، ولا واحد له من لفظه نحو ثلاثين، وعشرين، وقنسرين. قيل هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه ما عمله الصالحون. وحكى الواحدي عن المفسرين أنه السماء السابعة. قال الضحاك، ومجاهد، وقتادة يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين. وقال الضحاك هو سدرة المنتهى ينتهي إليه كل شيء من أمر الله لا يعدوها، وقيل هو الجنة، وقال قتادة أيضاً هو فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى، وقيل إن عليين صفة للملائكة، فإنهم في الملأ الأعلى، كما يقال فلان في بني فلان أي في جملتهم { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ * كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } أي وما أعلمك يا محمد أيّ شيء عليون على جهة التفخيم والتعظيم لعليين، ثم فسره فقال { كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } أي مسطور، والكلام في هذا كالكلام المتقدم في قولهوَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ * كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } المطففين 8، 9 وجملة { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } صفة أخرى لكتاب، والمعنى أن الملائكة يحضرون ذلك الكتاب المرقوم، وقيل يشهدون بما فيه يوم القيامة. قال وهب وابن إسحاق المقرّبون هنا إسرافيل، فإذا عمل المؤمن عمل البرّ صعدت الملائكة بالصحيفة، ولها نور يتلألأ في السمٰوات كنور الشمس في الأرض حتى تنتهي بها إلى إسرافيل، فيختم عليها. ثم ذكر سبحانه حالهم في الجنة بعد ذكر كتابهم، فقال { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ } أي إن أهل الطاعة لفي تنعم عظيم لا يقادر قدره { عَلَى ٱلأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } الأرائك الأسرة التي في الحجال، وقد تقدّم أنها لا تطلق الأريكة على السرير إلا إذا كان في حجلة. قال الحسن ما كنا ندري ما الأرائك حتى قدم علينا رجل من اليمن، فزعم أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير. ومعنى { يُنظَرُونَ } أنهم ينظرون إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامات، كذا قال عكرمة، ومجاهد، وغيرهما. وقال مقاتل ينظرون إلى أهل النار، وقيل ينظرون إلى وجهه، وجلاله. { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة لما تراه في وجوههم من النور، والحسن، والبياض، والبهجة، والرونق، والخطاب لكلّ راء يصلح لذلك، يقال أنضر النبات إذا أزهر ونوّر. قال عطاء وذلك أن الله زاد في جمالهم، وفي ألوانهم ما لا يصفه واصف.

السابقالتالي
2 3 4 5